ومقتضى الظاهر أن يقول : فسبح بحمده لتقدم اسم الجلالة في قوله ( إذا جاء نصر الله ) فعدل على الضمير إلى الاسم الظاهر وهو ربك لما في صفة ( رب ) وإضافتها إلى ضمير المخاطب من الإيماء إلى أن من حكمة ذلك النصر والفتح ودخول الناس في الإسلام نعمة أنعم الله بها عليه إذا حصل هذا الخير الجليل بواسطته فذلك تكريم له وعناية به وهو شأن تلطف الرب بالمربوب لأن معناه السيادة المرفوقة بالرفق والإبلاغ إلى الكمال .
وقد انتهى الكلام عند قوله ( واستغفره ) . وقد روي " أن النبي A كان في قراءته يقف عند ( واستغفره ) ثم يكمل السورة " .
( إنه كان توابا [ 3 ] ) تذييل للكلام السابق كله وتعليل لما يقتضي التعليل فيه من الأمر باستغفار ربه باعتبار الصريح من الكلام السابق كما سيتبين لك .
وتواب : مثال مبالغة من تاب عليه . وفعل تاب المتعدي بحرف ( على ) يطلق بمعنى وفق للتوبة أثبته في اللسان والقاموس وهذا الإطلاق خاص بما أسند إلى الله .
وقد اشتملت الجملة على أربع مؤكدات هي : أن وكان وصيغة المبالغة في التواب وتنوين التعظيم فيه .
وحيث كان التوكيد ب ( إن ) هنا غير مقصود به رد إنكار ولا إزالة تردد إذ لا يفرضان في جانب المخاطب A فقد تمخض ( إن ) لإفادة الاهتمام الخبر بتأكيده . وقد تقرر أن من شأن ( إن ) إذا جاءت على هذا الوجه أن تغني غناء فاء الترتيب والتسبب وتفيد التعليل وربط الكلام بما قبله كما تفيده الفاء وقد تقدم غير مرة منها عند قوله تعالى ( إنك أنت العليم الحكيم ) في سورة البقرة فالمعنى : هو شديد القبول لتوبة عباده كثير قبوله إياها .
وإذ قد كان الكلام تذييلا وتعليلا للكلام السابق تعين أن حذف متعلق ( توابا ) يقدر بنحو : على التائبين . وهذا المقدار مراد به العموم وهو عموم مخصوص بالمشيئة تخصصه أدلة وصف الربوبية ولما ذكر دليل العموم عقب أمره بالاستغفار أفاد انه إذا استغفره غفر له دلالة تقتضيها مستتبعات التراكيب فأفادت هذه لجملة تعليل الأمر بالاستغفار لأن الاستغفار طلب الغفر فالطالب يترقب إجابة طلبه وأما ما في الجملة من الأمر بالتسبيح والحمد ف يحتاج إلى تعليل لأنهما إنشاء تنزيه وثناء على الله .
ومن وراء ذلك أفادت الجملة إشارة إلى وعد بحسن القبول عند الله تعالى حينما يقدم على العالم القدسي وهذا معنى كنائي لأن من عرف بكثرة قبول توبة التائبين شأنه أن يكرم وفادة الوافدين الذين سعوا جهودهم في مرضاته بمنتهى الاستطاعة أو هو مجاز بعلاقة اللزوم العرفي لأن منتهى ما يخافه الأحبة عند اللقاء مرارة العتاب فالإخبار بأنه تواب اقتضى أنه لا يخاف عتابا .
A E فهذه الجملة بمدلولها الصريح ومدلولها الكنائي أو المجازي ومستتبعاتها تعليل لما تضمنته الجملة التي قبلها من معنى صريح أو كنائي يناسبه التعليل بالتسبيح والحمد باعتبارهما تمهيدا للأمر بالاستغفار كما تقدم آنفا لا يحتاجان إلى التعليل أو يغني تعليل الممهد له بهما عن تعليلهما ولكنهما باعتبار كونهما رمزا إلى مداناة وفاة رسول الله A يكون ما في قوله ( إنه كان توابا ) من الوعد بحسن القبول تعليلا لمدلولهما الكنائي وأما الأمر بالاستغفار فمناسبة التعليل له بقوله ( إنه كان توابا ) ناهضة باعتبار كلتا دلالتيه الصريحة والكنائية أي أنه متقبل استغفارك ومتقبلك بأحسن قبول شأن من عهد من الصفح والتكرم .
وفعل ( كان ) هنا مستعمل في لازم معنى الاتصاف بالوصف في الزمن الماضي . وهو أن هذا الوصف ذاتي له لا يتخلف معموله عن عباده فقد دل استقراء القرآن على إخبار الله عن نفسه بذلك من مبدأ الخليقة قال تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم )