وعلى ما روي عن ابن عمر " إنها نزلت في حجة الوداع " يكون تعليق جملة " فسبح بحمد ربك " على الشرط الماضي مرادا به التذكير بأنه حصل أي إذا تحقق ما وعدناك به من النصر والفتح وعموم الإسلام بلاد العرب فسبح بحمد ربك وهو مراد من قال من المفسرين ( إذا ) بمعنى ( قد ) فهو تفسير حاصل المعنى وليست ( إذا ) مما يأتي بمعنى ( قد ) .
والرؤية في قوله ( ورأيت الناس ) يجوز أن تكون عملية أي وعلمت علم اليقين أن الناس يدخلون في دين الله أفواجا وذلك بالأخبار الواردة من آفاق بلاد العرب ومواطن قبائلهم وبمن يحضر من وفودهم . فيكون جملة ( يدخلون ) في محل المفعول الثاني ل ( رأيت ) .
ويجوز أن تكون رؤية بصرية بأن رأى أفواج وفود العرب يردون إلى المدينة يدخلون في الإسلام وذلك سنة تسع وقد رأى النبي A ببصره ما علم منه دخولهم كلهم في الإسلام بمن حضر معه الموقف في حجة الوداع فقد كانوا مائة ألف من مختلف قبائل العرب فتكون جملة ( يدخلون ) في موضع الحال من الناس .
و ( دين الله ) هو الإسلام لقوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) وقوله ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ) .
والدخول في الدين : مستعار للنطق بكلمة الشهادة والتزام أحكام الدين الناشئة عن تلك الشهادة . فشبه الدين ببيت أو حظيرة على طريقة المكنية ورمز إليه بما هو من لوازم المشبه به وهو الدخول على تشبيه التلبس بالدين بتلبس المظروف بالظرف ففيه استعارة أخرى تصريحية .
والناس : اسم جمع يدل على جماعة من الآدميين وقد تقدم عند قوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله ) في سورة البقرة . وإذا عرف اسم ناس باللام احتملت العهد نحو ( الذين قال لهم الناس ) واحتملت الجنس نحو ( إن الناس قد جمعوا لكم ) واحتملت الاستغراق نحو ( ومن الناس من يقول ) ونحو ( قل أعوذ برب الناس ) .
والتعريف في هذه الآية للاستغراق العرفي أي جميع الناس الذين يخطرون بالبال لعدم إرادة معهودين معينين ولاستحالة دخول كل إنسان في دين الله بدليل المشاهدة فالمعنى : ورأيت ناسا كثيرين أو رأيت العرب .
قال ابن عطية : " قال أبو عمر بن عبد البر النمري C في كتاب الاستيعاب في باب خراش الهذلي : لم يمت رسول الله A وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإسلام بعد حين والطائف منهم من قدم ومنهم من قدم وافده " اه . وإنما يراد عرب الحجاز ونجد واليمن لأن من عرب الشام والعراق من لم يدخلوا في الإسلام وهم : تغلب وغسان في مشارف الشام وكذلك لخم وكلب من العراق فهؤلاء كانوا نصارى ولم يسلم من أسلم منهم إلا بعد فتح الشام والعراق بعد رسول الله A فلم يرهم رسول الله A يدخلون في دين الله رؤية بصرية .
ويجوز أن يكون الله أعلمه بذلك أن جعلن الرؤية علمية .
A E والأفواج : جمع فوج وهو الجماعة الكثيرة وتقدم عند قوله تعالى ( هذا فوج مقتحم معكم ) في سورة ص أي يدخلون في الإسلام وانتصب ( أفواجا ) على الحال من ضمير ( يدخلون ) .
وجملة ( فسبح بحمد ربك ) جواب ( إذا ) باعتبار ما تضمنته من معنى الشرط وفعل ( فسبح ) هو العامل في ( إذا ) النصب على الظرفية والفاء رابطة للجواب لأنه فعل إنشاء .
وقرن التسبيح بالحمد بباء المصاحبة المقتضية أن التسبيح لاحق للحمد لأن باء المصاحبة بمعنى ( مع ) فهي مثل ( مع ) في إنها تدخل على المتبوع فكان حمد الله على حصول النصر والفتح ودخول الناس في الإسلام شيئا مفروغا منه لا يحتاج إلى الأمر بإيقاعه لأن شأن الرسول A أنه قد فعله وإنما يحتاج إلى تذكيره بتسبيح خاص لم يحصل من قبل في تسبيحاته وباستغفار خاص لم يحصل من قبل في استغفاره .
ويجوز أن يكون التسبيح المأمور به تسبيح ابتهاج وتعجب من تيسير الله تعالى له ما لا يخطر ببال أحد أن يتم له ذلك فإن سبحان الله ونحوه يستعمل في التعجب كقول الأعشى : .
قد قلت لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وفي تقديم الأمر بالتسبيح والحمد على الأمر بالاستغفار تمهيد لإجابة استغفاره على عادة العرب في تقديم الثناء قبل سؤال الحاجة كما قال ابن أبي الصلت .
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء