ووعدوه بأن الله غفر له مغفرة تامة لا مؤاخذة عليه بعدها في شيء مما يختلج في نفسه الخوف أن يكون منه تقصير يقتضيه تحديد القوة الإنسانية الحد الذي لا يفي بما تطلبه همته الملكية بحيث يكون قد ساوى الحد الملكي الذي وصفه الله تعالى في الملائكة بقوله ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) .
( إذا جاء نصر الله والفتح [ 1 ] ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا [ 2 ] فسبح بحمد ربك و استغفره ) ( إذا ) اسم زمان مبهم يتعين مقداره بمضمون جملة يضاف إليها هو . ف ( إذا ) اسم زمان مطلق فقد يستعمل للزمن المستقبل غالبا . ولذلك يضمن معنى الشرط غالبا ويكون الفعل الذي تضاف إليه بصيغة الماضي غالبا لإفادة التحقق وقد يكون مضارعا كقوله تعالى ( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ) .
ويستعمل في الزمن الماضي وحينئذ يتعين أن تقع الجملة بعده بصيغة الماضي ولا تضمن ( إذا ) معنى الشرط حينئذ وإنما هي لمجرد الإخبار دون قصد تعليق نحو ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) .
و ( إذا ) هنا مضمنة الشرط لا محالة لوجود الفاء بقوله ( فسبح بحمد ربك ) وقضية الاستقبال وعدمه تقدمت .
والنصر : الإعانة على العدو . ونصر الله يعقبه التغلب على العدو . والفتح : امتلاك بلد العدو وأرضه لأنه يكون بفتح باب البلد كقوله تعالى ( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ) ويكون باقتحام ثغور الأرض ومحارسها فقد كانوا ينزلون بالأرضين التي لها شعاب وثغور قال لبيد : .
" وأجن عورات الثغور ظلامها وقد فتح المسلمون خيبر قبل نزول هذه الآية فتعين أن الفتح المذكور فيها فتح آخر وهو فتح مكة كما يشعر به التعريف بلام العهد وهو المعهود في قوله تعالى ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا ) .
فإضافة ( نصر ) إلى ( الله ) تشعر بتعظيم هذا النصر وأنه نصر عزيز خارق للعادة اعتنى الله بإيجاد أسبابه ولم تجر على متعارف تولد الحوادث عن أمثالها و ( جاء ) مستعمل في معنى : حصل وتحقق مجازا .
والتعريف في ( الفتح ) للعهد وقد وعد الله رسوله A به غير مرة من ذلك قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) وقوله ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تفعلوا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) . وهذه الآية نزلت عام الحديبية وذلك قبل نزول سورة إذا جاء نصر الله على جميع الأقوال .
A E وقد اتفقت أقوال المفسرين من السلف فمن بعدهم على أن الفتح المذكور في هذه السورة هو فتح مكة إلا رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس هو فتح المدائن والقصور يعني الحصون . وقد كان فتح مكة يخالج نفوس العرب كلهم فالمسلمون كانوا يرجونه ويعلمون ما أشار به القرآن من الوعد وأهل مكة يتوقعونه وبقية العرب ينتظرون ماذا يكون الحال بين أهل مكة وبين النبي A ويتلومون بدخولهم في الإسلام فتح مكة يقولون : إن ظهر محمد على قومه فهو نبي . وتكرر أن صد بعضهم بعضا ممن يريد اتباع الإسلام عن الدخول فيه وإنظاره إلى ما سيظهر من غلب الإسلام أو غلب الشرك .
أخرج البخاري عن عمرو بن سلمة قال : " لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامه إلى رسول الله A وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة فيقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي " .
وعن الحسن : لما فتحت مكة أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا : أما إذ ظفر بأهل الحرم فليس لنا به يدان فكانوا يدخلون في الإسلام أفواجا . فعلى قول الجمهور في أن الفتح هو فتح مكة يستقيم أن تكون هذه السورة نزلت بعد فتح خيبر وهو قول الأكثرين في وقت نزولها .
ويحتمل على قول القائلين بأنها نزلت عقب غزوة حنين أن يكون الفتح قد مضى ويكون التعليق على مجموع فتح مكة ومجيء نصر من الله آخر ودخول الناس في الإسلام وذلك بما فتح عليه بعد ذلك ودخول العرب كلهم في الإسلام سنة الوفود