و ( من ) الداخلة على ( جوع ) وعلى ( خوف ) معناها البدلية أي أطعمهم بدلا من الجوع وآمنهم بدلا من الخوف . ومعنى البدلية هو أن حالة بلادهم تقتضي أن يكون أهلها في جوع فإطعامهم بدل من الجوع الذي تقتضيه البلاد وأن حالتهم في قلة العدد وكونهم أهل حضر وليسوا أهل بأس ولا فروسية ولا شكة سلاح تقتضي أن يكونوا معرضين لغارات القبائل فجعل الله لهم الأمن في الحرم عوضا عن الخوف الذي تقتضيه قلتهم قال تعالى ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) .
وتنكير ( جوع ) و ( خوف ) للنوعية لا للتعظيم إذ لم يحل بهم جوع وخوف من قبل قال مساور بن هند في هجاء بني أسد : .
زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم الاف .
أولئك أومنوا جوعا وخوفا ... وقد جاعت بنو أسد وخافوا بسم الله الرحمن الرحيم A E .
سورة الماعون .
سميت هذه السورة في كثير من المصاحف وكتب التفسير ( سورة الماعون ) لورود لفظ الماعون فيها دون غيرها .
وسميت في بعض التفاسير ( سورة أرأيت ) وكذلك في مصحف من مصاحف القيروان في القرن الخامس وكذلك عنونها في صحيح البخاري .
وعنونها ابن عطية ب ( سورة أرأيت الذي ) . وقال الكواشي في التلخيص ( سورة الماعون والدين وأرأيت ) وفي الإتقان : وتسمى ( سورة الدين ) وفي حاشيتي الخفاجي وسعدي تسمى ( سورة التكذيب ) وقال البقاعي في " نظم الدرر " تسمى ( سورة اليتيم ) . وهذه ستة أسماء .
وهي مكية في قول الأكثر . وروي عن ابن عباس وقال القرطبي عن قتادة : هي مدنية . وروي عن ابن عباس أيضا . وفي الإتقان : قيل نزلت ثلاث أولها بمكة أي إلى قوله ( المسكين ) وبقيتها نزلت بالمدينة أي بناء على أن قوله ( فويل للمصلين ) إلى آخر السورة أريد بها المنافقون وهو مروي عن ابن عباس وقاله هبة الله الضرير وهو الأظهر .
وعدت السابعة عشرة في عداد نزول السور بناء على أنها مكية نزلت بعد سورة التكاثر وقبل سورة الكافرون .
وعدت آياتها ستا عند معظم العادين : وحكى الآلوسي : أن الذين عدوا آياتها ستا أهل العراق " أي البصرة والكوفة " وقال الشيخ علي النوري الصفاقسي في غيث النفع : وآيها سبع حمصي " أي شامي " وست في الباقي . وهذا يخالف ما قاله الآلوسي .
أغراضها .
من مقاصد التعجيب من حال من كذبوا بالبعث وتفظيع أعمالهم من الاعتداء على الضعيف واحتقاره والإمساك عن إطعام المسكين والإعراض عن قواعد الإسلام من الصلاة والزكاة لأنه لا يخطر بباله أن يكون في فعله ذلك ما يجلب له غضب الله وعقابه .
( أرأيت الذي يكذب بالدين [ 1 ] فذلك الذي يدع اليتيم [ 2 ] ولا يحض على طعام المسكين [ 3 ] ) الاستفهام مستعمل في التعجيب من حال المكذبين بالجزاء وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع . فالتعجب من تكذيبهم بالدين وما تفرع عليه من دع اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين وقد صيغ هذا التعجيب في نظم مشوق لأن الاستفهام عن رؤية من ثبتت له صلة الموصول يذهب بذهن السامع مذاهب شتى من تعرف المقصد بهذا الاستفهام فإن التكذيب بالدين شائع فيهم فلا يكون مثارا للتعجب فيترقب السامع ماذا يرد بعده وهو قوله ( فذلك الذي يدع اليتيم ) .
وفي إقحام اسم الإشارة واسم الموصول بعد الفاء زيادة تشويق حتى تقرع الصلة سمع السامع فتتمكن منه كمال تمكن .
وأصل ظاهر الكلام أن يقال : أرأيت الذي يكذب بالدين فيدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين .
والإشارة إلى الذي يكذب بالدين باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز حتى يتبصر السمع فيه وفي صفته أو لتنزيله منزلة الظاهر الواضح بحيث يشار إليه .
والفاء لعطف الصفة الثانية على الأولى لإفادة تسبب مجموع الصفتين في الحكم المقصود من الكلام وذلك شأنها في عطف الصفات إذا كان موصوفها واحدا مثل قوله تعالى ( والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ) .
فمعنى الآية عطف صفتي : دع اليتيم وعدم إطعام المسكين على جزم التكذيب بالدين .
وهذا يفيد تشويه إنكار البعث بما ينشأ عن إنكاره من المذام ومن مخالفة للحق ومنافيا لما تقتضيه الحكمة من التكليف وفي ذلك كناية عن تحذير المسلمين من الاقتراب من إحدى هاتين الصفتين بأنهما من صفات الذين لا يؤمنون بالجزاء