وجيء في ( يكذب يدع ويحض ) بصيغة المضارع لإفادة تكرر ذلك منه ودوامه .
وهذا إيذان بأن الإيمان بالبعث والجزاء هو الوازع الحق الذي يغرس في النفس جذور الإقبال على الأعمال الصالحة التي يصير ذلك لها خلقا إذا شبت عليه فزكت وانساقت إلى الخير بدون كلفة ولا احتاج إلى أمر ولا إلى مخافة ممن يقيم عليه العقوبات حتى إذا اختلى بنفسه وأمن الرقباء جاء بالفحشاء والأعمال النكراء .
والرؤية بصرية يتعدى فعلها إلى مفعول واحد فإن المكذبين بالدين معروفون وأعمالهم مشهورة فنزلت شهرتهم بذلك منزلة الأمر المبصر المشاهد .
وقرأ نافع بتسهيل الهمزة التي بعد الراء من ( أرأيت ) أن الإيمان بالبعث - 88ع88ع8ع8 ألفا . وروى المصريون عن ورش عن نافع إبدالها ألفا وهو الذي قرأنا به في تونس وهكذا في فعل ( رأى ) كلما وقع بعد الهمزة استفهام وذلك فرار من تحقيق الهمزتين قرأ الجمهور بتحقيقها .
وقرأه الكسائي بإسقاط الهمزة التي بعد الراء في كل فعل من هذا القبيل .
A E واسم الموصول وصلته مراد بهما جنس اتصف بذلك . وأكثر المفسرين درجوا على ذلك .
وقيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي وقيل في الوليد بن المغيرة المخزومي وقيل في عمر بن عائذ المخزومي وقيل في أبي سفيان بن حرب قبل إسلامه بسبب أنه كان ينحر كل أسبوع جزورا فجاءه مرة يتيم فسأله من لحمها فقرعه بعصا . وقيل في أبي جهل : كان وصيا على يتيم فأتاه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه دفعا شنيعا .
والذين جعلوا السورة مدنية قالوا : نزلت في منافق لم يسموه وهذه أقوال معزو بعضها إلى بعض التابعين ولو تعينت لشخص معين لم يكن سبب نزولها مخصصا حكمها بما نزلت بسببه .
ومعنى ( يدع ) يدفع بعنف وقهر قال تعالى ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) .
والحض : الحث وهو أن تطلب غيرك فعلا بتأكيد .
والطعام : اسم الإطعام وهو اسم مصدر إلى مفعوله إضافة لفظية . ويجوز أن يكون الطعام مرادا به ما يطعم كما في قوله تعالى ( فانظر إلى طعامك وشرابك ) فتكون إضافة طعام إلى مسكين معنوية على معنى اللام أي الطعام الذي هو حقه على الأغنياء ويكون فيه تقدير مضاف مجرور ب ( على ) تقديره : على إعطاء طعام المسكين .
وكني بنفي الحض عن نفي الإطعام لأن الذي يشح بالحض على الإطعام هو بالإطعام أشح كما تقدم في قوله ( ولا تحضون على طعام المسكين ) في سورة الفجر وقوله ( ولا يحض على طعام المسكين ) في سورة الحاقة .
والمسكين : الفقير ويطلق على الشديد الفقر وقد تقدم عند قوله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) في سورة التوبة .
( فويل للمصلين [ 4 ] الذين هم عن صلاتهم ساهون [ 5 ] الذين هم يراؤون [ 6 ] ويمنعون الماعون [ 7 ] ) موقع الفاء صريح في اتصال ما بعدها بما قبلها من الكلام على معنى التفريع والترتيب والتسبب .
فيجيء على القول أن السورة مكية بأجمعها أن يكون المراد بالمصلين عين المراد بالذي يكذب بالدين ويدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فقوله ( للمصلين ) إظهار في مقام الإضمار كأنه قيل : فويل له على سهوه عن الصلاة وعلى الرياء وعلى منع الماعون دعا إليه زيادة تعداد صفاته الذميمة بأسلوب سليم عن تتابع ست صفات لأن ذلك التتابع لا يخلو من كثرة تكرار النظائر فيشبه تتابع الإضافات الذي قيل إنه مناكد للفصاحة مع الإشارة بتوسيط ويل له إلى أن الويل ناشئ عن جميع تلك الصفات التي هو هلها وهذا المعنى أشار إليه كلام الكشاف بغموض .
فوصفهم ب ( المصلين ) إذن تهكم والمراد عدمه أي الذين لا يصلون أي ليسوا بمسلمين كقوله تعالى ( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) وقرينة التهكم وصفهم ب ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) .
وعلى القول بأنها مدنية أو أن هذه الآية وما بعدها منها مدنية يكون المراد ب ( المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) المنافقين . وروى هذا ابن وهب وأشهب عن مالك فتكون الفاء قي قوله ( فويل للمصلين ) من هذه الجملة لربطها بما قبلها لأن الله أراد ارتباط هذا الكلام بعضه ببعض