وجوز الفراء وابن إسحاق في السيرة أن يكون ( لإيلاف قريش ) متعلقا بما في سورة الفيل من قوله ( فجعلهم كعصف مأكول ) قال القرطبي . وهو معنى قول مجاهد ورواية ابن جبير عن ابن عباس . قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصح إلا به اه . يعنون أن هذه السورة وإن كانت سورة مستقلة فهي ملحقة بسورة الفيل فكما تلحق الآية بآية نزلت قبلها تلحق آيات هي سورة فتتعلق بسورة نزلت قبلها .
والإيلاف : مصدر أألف بهمزتين بمعنى ألف وهما لغتان والأصل هو ألف وصيغة الإفعال فيه للمبالغة لأن أصلها أن تدل على حصول الفعل من الجانبين فصارت تستعمل في إفادة قول الفعل مجازا ثم شاع ذلك في بعض الأفعال حتى ساوى الحقيقة مثل سافر وعافاه الله وقاتلهم الله .
وقرأه الجمهور في الموضعين ( لإيلاف ) بياء بعد الهمزة وهي تخفيف للهمزة الثانية . وقرأه ابن عامر ( لإلاف ) الأول بحذف الياء التي أصلها همزة ثانية وقرأه ( إيلافهم ) بإثبات الياء مثل الجمهور . وقرأ أبو جعفر ( ليلاف قريش ) بحذف الهمزة الأولى . وقرأ ( إلافهم ) بهمزة مكسورة من غير ياء .
A E وذكر ابن عطية والقرطبي : إن أبا بكر عن عاصم قرأ بتحقيق الهمزتين في ( لإألاف ) وفي ( إألافهم ) وذكر ابن عطية عن أبي علي الفارسي أن تحقيق الهمزتين لا وجه له . قلت : لا يوجد في كتب القراءات التي عرفناها نسبة هذه القراءة إلى أبي بكر عن عاصم . والمعروف أن عاصما موافق للجمهور في جعل ثانية الهمزتين ياء فهذه رواية ضعيفة عن أبي بكر عن عاصم .
وقد كتب في المصحف ( إلفهم ) بدون ياء بعد الهمزة وأما الألف المدة التي بعد اللام التي هي عين الكلمة فلم تكتب في الكلمتين في المصحف على عادة أكثر المدات مثلها والقراءات روايات وليس خط المصحف إلا كالتذكرة للقارئ ورسم المصحف سنة متبعة سنها الصحابة الذين عينوا لنسخ المصاحف وإضافة ( إيلاف ) إلى ( قريش ) على معنى إضافة المصدر إلى فاعله وحذف مفعوله لأنه هنا أطلق بالمعنى الاسمي لتلك العادة فهي إضافة معنوية بتقدير اللام .
وقريش : لقب الجد الذي يجمع بطون كثيرة وهو فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة . هذا قول جمهور النسابين وما فوق فهر فهم من كنانة ولقب فهر بلقب قريش بصيغة التصغير وهو على الصحيح تصغير قرش " بفتح القاف وسكون الراء وشين معجمة " اسم نوع من الحوت قوي يعدو على الحيتان وعلى السفن .
وقال بعض النسابين : أن قريشا لقب النضر بن كنانة . وروي عن النبي A " أنه سئل عن قريش ؟ فقال : من ولد النضر " وفي رواية أنه قال " إنا ولد النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا " . فجميع أهل مكة هم قريش وفيهم كانت مناصب أهل مكة في الجاهلية موزعة بينهم وكانت بنو كنانة بخيف منى . ولهم مناصب في أعمال الحج خاصة منها النسيء .
وقوله ( إيلافهم ) عطف بيان من ( إيلاف قريش ) وهو من أسلوب الإجمال فالتفصيل للعناية بالخبر ليتمكن في ذهن السامع ومنه قوله تعالى ( لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات ) حكاية لكلام فرعون وقول امرئ القيس : .
" ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة والرحلة بكسر الراء : اسم للارتحال وهو المسير من مكان إلى آخر بعيد ولذلك سمي البعير الذي يسافر عليه راحلة .
وإضافة رحلة إلى الشتاء من إضافة الفعل إلى زمانه الذي يقع فيه فقد يكون الفعل مستغرقا لزمانه مثل قولك : سهر الليل وقد يكون وقتا لابتدائه مثل صلاة الظهر وظاهر الإضافة أن رحلة الشتاء والصيف معروفة معهودة وهما رحلتان . فعطف ( والصيف ) على تقدير مضاف أي ورحلة الصيف لظهور أنه لا تكون رحلة واحدة تبتدأ في زمانين فتعين أنهما رحلتان في زمنين .
وجوز الزمخشري : أن يكون لفظ ( رحلة ) المفرد مضافا إلى شيئين لظهور المراد وأمن اللبس وقال أبو حيان : هذا عند سيبويه لا يجوز إلى في الضرورة .
والشتاء أسم لفصل من السنة الشمسية المقسمة إلى أربعة فصول . وفصل تسعة وثمانون يوما وبضع دقائق مبدؤها حلول الشمس في برج الجدي . ونهايتها خروج الشمس من برج الحوت وبروجه ثلاثة : الجدي والدلو والحوت وفصل الشتاء مدة البرد