وسميت في المصاحف وكتب التفسير ( سورة قريش ) لوقوع اسم قريش فيها ولم يقع في غيرها وبذلك عنونها البخاري في صحيحه .
والسورة مكية عند جماهير العلماء . وقال ابن عطية : بلا خلاف . وفي القرطبي عن الكلبي والضحاك أنها مدنية ولم يذكرها في الإتقان مع السور المختلف فيها .
وقد عدت التاسعة والعشرين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة التين وقبل سورة القارعة .
وهي سورة مستقلة بإجماع المسلمين على أنها سورة خاصة .
وجعلها أبي بن كعب مع سورة الفيل سورة واحدة ولم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة التي كانوا يجعلونها علامة فصل بين السور وهو ظاهر خبر عمرو بن ميمون عن قراءة عمر بن الخطاب . والإجماع الواقع بعد ذلك نقض ذلك .
وعدد آياتها أربع عند جمهور العادين . وعدها أهل مكة والمدينة خمس آيات .
A E ورأيت في مصحف عتيق من المصاحف المكتوبة في القيروان عددها أربع آيات مع أن قراءة أهل القيروان قراءة أهل المدينة .
أغراضها .
أمر قريش بتوحيد الله تعالى بالربوبية تذكيرا لهم بنعمة أن الله مكن لهم السير في الأرض للتجارة برحلتي الشتاء والصيف لا يخشون عاديا يعدو عليهم .
وبأنه أمنهم من المجاعات وأمنهم من المخاوف لما وقر في نفوس العرب من حرمتهم لأنهم سكان الحرم وعمار الكعبة .
وبما ألهم الناس من جلب الميرة إليهم من الآفاق المجاورة كبلاد الحبشة .
ورد القبائل فلا يغير على بلدهم أحد قال تعالى ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ) فأكسبهم ذلك مهابة في نفوس الناس وعطفا منهم .
( لإيلاف قريش [ 1 ] إيلافهم رحلة الشتاء والصيف [ 2 ] فليعبدا رب هذا البيت [ 3 ] الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف [ 4 ] ) افتتاح مبدع إذ كان بمجرور بلام التعليل وليس بإثره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إلى متعلق هذا المجرور . وزاده الطول تشويقا إذ فصل بينه وبين متعلقه " بالفتح " بخمس كلمات فيتعلق ( لإيلاف ) بقوله ( فليعبدوا ) .
وتقديم هذا المجرور للاهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الله التي أعرضوا عنها بعبادة الأصنام والمجرور متعلق بفعل ( ليعبدوا ) .
وأصل نظم الكلام : لتعبد قريش رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف فلما اقتضى قصد الاهتمام بالمعمول تقديمه على عامله تولد من تقديمه معنى جعله شرطا لعامله فاقترن عامله بالفاء التي هي من شأن جواب الشرط فالفاء الداخلة في قوله ( فليعبدوا ) مؤذنة بأن ما قبلها من قوة الشرط أي مؤذنة بأن تقديم المعمول مقصود به اهتمام خاص وعناية قوية هي عناية المشترط بشرطه وتعليق بقية كلامه عليه لما ينتظره من جوابه وهذا أسلوب من الإيجاز بديع .
قال في الكشاف " دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إما لا فيعبدوه لإيلافهم أي أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة اه .
وقال الزجاج في قوله تعالى ( وربك فكبر ) دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تدع تكبيره اه . وهو معنى ما في الكشاف . وسكتا عن منشأ حصول معنى الشرط وذلك أن مثل هذا جار عند تقديم الجار والمجرور ونحوه من متعلقات الفعل وانظر قوله تعالى ( وإياي فارهبون ) في سورة البقرة ومنه قوله تعالى ( فبذلك فليفرحوا ) في سورة يونس وقوله ( فلذلك فادع واستقم ) في سورة الشورى . وقول النبي A للذي سأله عن الجهاد فقال له " ألك أبوان ؟ فقال : نعم . قال : ففيهما فجاهد " .
ويجوز أن تجعل اللام متعلقة بفعل ( أعجبوا ) محذوفا ينبئ عنه اللام لكثرة وقوع مجرور بها بعد مادة التعجب يقال : عجبا لك وعجبا لتلك القضية ومنه قول امرئ القيس " فيا لك من ليل " لأن حرف النداء مراد به التعجب فتكون الفاء في قوله ( فليعبدوا ) تفريعا على التعجب