وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي A بالجامعة الفاذة ففي الموطأ أن النبي A قال : " الخيل لثلاثة " الحديث . فسئل عن الحمر فقال : لم ينزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن وقال الحسن : قدم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي A يستقرئ النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لأبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال كعب الأحبار " لقد أنزل على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) .
وإذ قد كان الكلام مسوقا للترغيب والترهيب معا أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويها بأهل الخير .
وفي الكشاف : يحكى أن أعرابيا أخر خيرا يره فقيل قدمت وأخرت فقال : .
خذا بطن هرشي أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشي لهن طريق وقد غفل هذا الإعرابي عن بلاغة الآية المقتضية التنويه بأهل الخير .
روى الواحدي عن مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به فنزلت الآية فيهما .
ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية ولو صح هذا الخبر لما كان مقتضيا أن السورة مدنية لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهدا يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة كما بيناه في المقدمة الخامسة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة العاديات .
سميت في المصاحف القيروانية العتيقة والتونسية والمشرقية ( سورة العاديات ) بدون واو وكذلك في بعض التفاسير فهي تسمية لما ذكر فيها دون حكاية لفظه . وسميت في بعض كتب التفسير ( سورة والعاديات ) بإثبات الواو .
واختلف فيها فقال ابن مسعود وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة : هي مكية . وقال أنس بن مالك وابن عباس وقتادة : هي مدنية .
وعدت الرابعة عشرة في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد على أنها مكية نزلت بعد سورة العصر وقبل سورة الكوثر .
وآيها إحدى عشرة .
ذكر الواحدي في أسباب النزول عن مقاتل وعن غيره أن رسول الله A بعث خيلا سرية " إلى بني كنانة وأمر عليها المنذر بن عمرو انصاري " فأسهبت " أي أمعنت في سهب وهي الأرض الواسعة " شهرا وتأخر خيرهم فارجف المنافقون وقالوا : قتلوا جميعا فأخبر الله عنهم بقوله ( والعاديات ضبحا ) الآيات إعلاما بأن خيلهم قد فعلت جميع ما في تلك الآيات .
وهذا الحديث قال في الإتقان رواه الحاكم وغيره . وقال أبن كثير : روى أبو بكر البزاز هنا حديثا غريبا جدا وساق الحديث قريبا مما للواحدي .
وأقول غرابة الحديث لا تناكد قبوله وهو مروي عن ثقات إلا أن في سنده حفص بن جميع وهو ضعيف . فالراجع أن السورة مدنية .
أغراضها .
ذم خصال تفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة وهي خصال غالية على المشركين والمنافقين ويراد تحذير المسلمين منها .
ووعظ الناس بأن وراءهم حسابا على أعمالهم بعد الموت ليتذكره المؤمن ويهدد به الجاحد . وأكد ذلك كله بأن افتتح بالقسم وأدمج في القسم التنويه بخيل الغزاة أو رواحل الحجيج .
( والعاديات ضبحا [ 1 ] فالموريات قدحا [ 2 ] فالمغيرات صبحا [ 3 ] فأثرن به نقعا [ 4 ] فوسطن به جمعا [ 5 ] إن الإنسان لربه لكنود [ 6 ] وهو على ذلك لشهيد [ 7 ] وإنه لحب الخير لشديد [ 8 ] ) أقسم الله ب ( العاديات ) جمع العادية وهو اسم فاعل من العدو وهو السير السريع يطلق على سير الخيل والإبل خاصة .
وقد يوصف به سير الإنسان وأحسب أنه على التشبيه بالخيل ومنه عداءو العرب وهم أربعة : السليك بن السلكة والشنفري وتأبط شرا وعمرو بن أمية الضمري . يضرب بهم المثل في العدو .
وتأنيث هذا الوصف هنا لأنه من صفات ما لا يعقل .
والضبح : اضطراب النفس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم وهو من أصوات الخيل والسباع . وعن عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح أح أح