والتحديث حقيقته : أن يصدر كلام بخبر عن حدث . وورد في حديث الترمذي عن أبي هريرة قال ( قرأ رسول الله A هذه الآية ( يومئذ تحدث أخبارها ) قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ! قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عمل يوم كذا وكذا فهذه أخبارها ) اه .
A E وجمع ( أخبارها ) باعتبار تعدد دلالتها على عدد القائلين ( ما لها ) وإنما هو خبر واحد وهو المبين بقوله ( بأن ربك أوحى لها ) .
وانتصب ( أخبارها ) على نزع الخافض وهو باء تعدية فعل ( تحدث ) .
وقوله ( بأن ربك أوحى لها ) يجوز أن يتعلق بفعل ( تحدث ) والباء للسببية أي تحدث أخبارها بسبب أن الله أمرها أن تحدث أخبارها .
ويجوز أن يكون بدلا من ( أخبارها ) وأظهرت الباء في البدل لتوكيد تعدية فعل ( تحدث ) إليه وعلى كلا الوجهين قد أجملت أخبارها وبينها الحديث السابق .
وأطلق الوحي على أمر التكوين أي أوجد فيها أسباب إخراج أثقالها فكأنه أسر إليها بكلام كقوله تعالى ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ) الآيات .
وعدي فعل ( أوحى ) باللام لتضمين ( أوحى ) معنى قال كقوله تعالى ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ) وإلا فإن حق ( أوحى ) أن يتعدى بحرف ( إلى ) .
والقول المضمن هو قول التكوين قال تعالى ( إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) .
وإنما عدل عن فعل : قال لها إلى فعل ( أوحى لها ) لأنه حكاية عن تكوين لا عن قول لفظي .
وقوله ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) بدل من جملة ( يومئذ تحدث أخبارها ) والجواب هو فعل و ( يصدر الناس ) وقوله ( يومئذ ) يتعلق به وقدم على متعلقه للاهتمام . وهذا الجواب هو المقصود من الكلام لأن الكلام مسوق لإثبات الحشر والتذكير به والتحذير من أهواله فإنه عند حصوله يعلم الناس أن الزلزال كان إنذارا بهذا الحشر .
وحقيقة ( يصدر الناس ) الخروج من محل اجتماعهم يقال : صدر عن المكان إذا تركه وخرج منه صدورا وصدرا بالتحريك . ومنه الصدر عن الماء بعد الورد فأطلق هنا فعل ( يصدر ) على خروج الناس إلى الحشر جماعات أو انصرافهم من المحشر إلى مأواهم من الجنة أو النار تشبيها بانصراف الناس عن الماء بعد الورد .
وأشتات : جمع شت بفتح الشين وتشديد الفوقية وهو المتفرق والمراد : يصدرون متفرقين جماعات كل إلى جهة بحسب أعمالهم وما عين لهم من منازلهم .
وأشير إلى أن تفرقهم على حسب تناسب كل جماعة في أعمالها من مراتب الخير ومنازل الشر بقوله ( ليروا أعمالهم ) أي يصدرون لأجل تلقي جزاء الأعمال التي عملوها في الحياة الدنيا فيقال لكل جماعة : انظروا أعمالكم أو انظروا مآلكم .
وبني فعل ( ليروا ) إلى النائب لأن المقصود رؤيتهم أعمالهم لا تعيين من يريهم إياها . وقد أجمع القراء على ضم التحتية .
فالرؤية مستعملة في رؤية البصر والمرئي هو منازل الجزاء ويجوز أن تكون الرؤية مستعملة في العلم بجزاء الأعمال فإن الأعمال لا ترى ولكن يظهر لأهلها جزاؤها .
( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره [ 7 ] ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ 8 ] ) تفريع على قوله ( ليروا أعمالهم ) تفريع الفذلكة انتقالا للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء والتفريع قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتا .
والمثقال : ما يعرف به ثقل الشيء وهو ما يقدر به الوزن وهو كميزان زنة ومعنى .
والذرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .
و ( مثقال ذرة ) مثل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإيمان قال تعالى ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) .
وإنما أعيد قوله ( ومن يعمل ) دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإطناب .
A E