الثاني : تأويل معنى ( منفكين ) بمعنى الخروج عن إمهال الله إياهم ومصيرهم إلى مؤاخذتهم وهو لابن عطية .
A E الثالث : تأويل متعلق ( منفكين ) بأنه عن الكفر وهو لعبد الجبار أو عن الاتفاق على الكفر وهو للفخر وأبي حيان . أو منفكين عن الشهادة للرسول A بالصدق قبل بعثته وهو لابن كيسان عبد الرحمان الملقب بالأصم أو منفكين عن الحياة أي هالكين وعزي إلى بعض اللغويين .
الرابع : تأويل ( حتى ) أنها بمعنى ( إن ) الاتصالية . والتقدير : وإن جاءتهم البينة .
الخامس : تأويل ( رسول ) بأنه رسول من الملائكة يتلو عليهم صحفا من عند الله فهو في معنى قوله تعالى ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) وعزاه الفخر إلى أبي مسلم وهو يقتضي صرف الخبر إلى التهكم .
هذا والمراد ب ( الذين كفروا من أهل الكتاب ) أنهم كفروا برسالة محمد A مثل ما في قوله تعالى ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) .
وأنت لا يعوزك إرجاع أقوال المفسرين إلى هذه المعاقد فلا نحتاج إلى التطويل بذكرها فدونك فراجعها إن شئت . فبنا أن نهتم بتفسير الآية على الوجه البين .
إن هذه الآيات وردت مورد إقامة الحجة على الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب وعلى المشركين بأنهم متنصلون من الحق متعللون للإصرار على الكفر عنادا فلنسلك بالخبر مسلك مورد الحجة لا مسلك إفادة النسبة الخبرية فتعين علينا أن نصرف التركيب عن استعمال ظاهره إلى استعمال مجازي على طريقة المجاز المرسل المركب من قبيل استعمال الخبر في الإنشاء والاستفهام في التوبيخ ونحو ذلك الذي قال فيه التفتزاني في المطول : إن بيان أنه من أي أنواع النجاز هو مما لم يحم أحد حوله والذي تصدى السيد الشريف لبيانه بما لا يبقي فيه شبهة .
فهذا الكلام مسوق مساق نقل الأقوال المستغربة المضطربة الدالة على عدم ثبات آراء أصحابها فهو من الحكاية لما كانوا يعدون به فهو حكاية بالمعنى كأنه قيل : كنتم تقولون لا نترك ما نحن عليه حتى تأتينا البينة وهذا تعريض بالتوبيخ بأسلوب الإخبار المستعمل في إنشاء التعجيب أو الشكاية من صلف المخبر عنه وهو استعمال عزيز بديع وقريب منه قوله تعالى ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ) إذ عبر بصيغة يحذر وهم إنما تظاهروا بالحذر ولم يكونوا حاذرين حقا ولذلك قال الله تعالى ( قل استهزئوا ) .
فالخبر موجه لكل سامع ومضمونه قول ( كان صدر من أهل الكتاب وأشتهر عنهم وعرفوا به وتقرر تعلل المشركين به لأهل الكتاب حين يدعونهم إلى اتباع اليهودية أو النصرانية فيقولوا : لم يأتنا رسول كما أتاكم قال تعالى ( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) .
وتقرر تعلل أهل الكتاب به حين يدعوهم النبي A للإسلام قال تعالى ( الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) الآية .
وشيوعه عن الفريقين قرينة على أن المراد من سياقه دمغهم بالحجة وبذلك كان التعبير بالمضارع المستقبل في قوله ( حتى تأتيهم البينة ) مصادفا المحز فإنهم كانوا يقولون ذلك قبل مجيء الرسول A .
وقريب من قوله تعالى في أهل الكتاب ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) .
وحاصل المعنى : أنكم كنتم تقولون لا نترك ما نحن عليه من الدين حتى تأتينا البينة أي العلامة التي وعدنا بها .
وقد جعل ذلك تمهيدا وتوطئة لقوله بعده ( رسول من الله يتلو صدفا مطهرة ) الخ .
وإذ اتضح موقع هذه الآية وانقشع أشكالها فلننتقل إلى تفسير ألفاظ الآية .
A E