والتسجيل عليهم بأنهم شر البرية .
والثناء على الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
A E ووعدهم بالنعيم الأبدي ورضى الله عنهم وإعطائه إياهم ما يرضيهم .
وتخلل ذلك تنويه بالقرآن وفضله على غيره باشتماله على ما في الكتب الإلهية التي جاء بها الرسول A من قبل وما فيه من فضل وزيادة .
( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة [ 1 ] رسل من الله يتلوا صحفا مطهرة [ 2 ] فيها كتب قيمة [ 3 ] ) استصعب في كلام المفسرين تحصيل المعنى المستفاد من هذه الآيات الأربع من أول هذه السورة تحصيلا ينتزع من لفظها ونظمها فذكر الفخر عن الواحدي في التفسير البسيط له أنه قال : هذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا وقد تخبط فيها الكبار من العلماء . قال الفخر : ( ثم إنه لم يلخص كيفية الإشكال فيها وأنا أقول : وجه الإشكال أن تقدير الآية : لم يكن الذين كفروا منفكين حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول A ثم إنه تعالى لم يذكر أنهم منفكون عماذا لكنه معلوم إذ المراد هو الكفر والشرك الذين كانوا عليهما فصار التقدير : لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول A ثم إن كلمة ( حتى ) لانتهاء الغاية فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول A ثم قال بعد ذلك ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرسول A فحينئذ حصل بين الآية الأولى والآية الثانية مناقضة في الظاهر ) اه كلام الفخر .
يريد أن الظاهر أن قوله ( رسول من الله ) بدل من ( البينة وأن متعلق ( منفكين ) حذف لدلالة الكلام عليه لأنهم لما أجريت عليهم صلة الذين كفروا دل ذلك على أن المراد لم يكونوا منفكين على كفرهم وإن حرف الغاية يقتضي أن إتيان البينة المفسرة ب ( رسول من الله ) هي نهاية انعدام انفكاكهم عن كفرهم أي فعند إتيان البينة يكونون منفكين عن كفرهم فكيف مع أن الله يقول ( وما نفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) فإن تفرقهم راجع إلى تفرقهم عن الإسلام وهو ازدياد في الكفر إذ به تكثر شبه الضلال التي تبعث على التفرق في دينهم مع اتفاقهم في أصل الكفر وهذا الأخير بناء على اعتبار قوله تعالى ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) الخ كلاما متصلا بإعراضهم عن الإسلام وذلك الذي درج عليه المفسرون ولنا في ذلك كلام سيأتي .
ومما لم يذكره الفخر من وجه الإشكال : أن المشاهدة دلت على أن الذين كفروا لم ينفكوا عن الكفر في زمن ما وأن نصب المضارع بعد ( حتى ينادي على أنه منصوب ب ( أن ) مضمرة بعد ( حتى ) فيقتضي أن إتيان البينة مستقبل وذلك لا يستقيم فإن البينة فسرت ب ( رسول من الله ) وإتيان الرسول وقع قبل نزول هذه الآيات بسنين وهم مستمرون على ما هم عليه : هؤلاء على كفرهم وهؤلاء على شركهم .
وإذ قد تقرر وجه الإشكال وكان مظنونا أنه ملحوظ للمفسرين إجمالا أو تفصيلا فقد تعين أن هذا الكلام ليس واردا على ما يتبادر من ظاهره في مفرداته أو تركيبه فوجب صرفه عن ظاهره إما بصرف تركيب الخبر عن ظاهر الإخبار وهو إفادة المخاطب النسبة الخبرية التي تضمنها التركيب بأن يصرف الخبر إلى أنه مستعمل في معنى مجازي للتركيب وإما بصرف بعض مفرداته التي اشتمل عليها التركيب عن ظاهر معناها إلى معنى مجاز أو كناية .
فمن المفسرين من سلك طريقة صرف الخبر عن ظاهره . ومنهم من أبقوا الخبر على ظاهر استعماله وسلكوا طريقة صرف بعض كلماته عن ظاهر معانيها وهؤلاء منهم من تأول لفظ ( منفكين ) ومنهم من تأول معنى ( حتى ) ومنهم من تأول ( رسول ) وبعضهم جوز في ( البينة ) وجهين .
وقد تعددت أقوال المفسرين فبلغت بضعة عشر قولا ذكر الآلوسي أكثرها وذكر القرطبي معظمها غير معزو وتداخل بعض ما ذكره الآلوسي وزاد أحدهما ما لم يذكره الآخر .
ومراجع تأويل الآية تؤول إلى خمسة .
الأول : تأويل الجملة بأسرها بأن يؤول الخبر إلى معنى التوبيخ والتعجيب وإلى هذا ذهب الفراء ونفطويه والزمخشري