وتقديم المسند وهو سلام على المسند إليه لإفادة الاختصاص أي ما هي إلا سلام . والقصر ادعائي لعدم الاعتداد بما يحصل فيها لغير الصائمين القائمين ثم يجوز أن يكون ( سلام هي ) مرادا به الإخبار فقط ويجوز أن يراد بالمصدر الأمر والتقدير : سلموا سلاما فالمصدر بدل من الفعل وعدل عن نصبه إلى الرفع ليفيد التمكن مثل قوله تعالى ( قالوا سلاما قال سلام ) . والمعنى : اجعلوها سلاما بينكم أي لا نزاع ولا خصام . ويشير إليه ما في الحديث الصحيح ( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ) .
و ( حتى مطلع الفجر ) غاية لما قبله من قوله ( تنزل الملائكة ) إلى ( سلام هي ) .
والمقصود من الغاية إفادة أن جميع أحيان تلك الليلة معمورة بنزول الملائكة والسلامة فالغاية هنا مؤكدة لمدلول ( ليلة ) لأن الليلة قد تطلق على بعض أجزائها كما في قول النبي A ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) أي من قام بعضها فقد قال سعيد بن المسيب : من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها . يريد شهدها في جماعة كما يقتضيه فعل شهد فإن شهود الجماعة من أفضل الأعمال الصالحة .
وجيء بحرف ( حتى ) لإدخال الغاية لبيان أن ليلة القدر تمتد بعد مطلع الفجر بحيث إن صلاة الفجر تعتبر واقعة في تلك الليلة لئلا يتوهم أن نهايتها كنهاية الفطر بآخر جزء من الليل وهذا توسعة من الله في امتداد الليلة إلى ما بعد طلوع الفجر .
ويستفاد من غاية تنزل الملائكة فيها أن تلك غاية الليلة وغاية لما فيها من الأعمال الصالحة التابعة لكونها خيرا من ألف شهر وغاية السلام فيها .
وقرأ الجمهور ( مطلع ) بفتح اللام على أنه مصدر ميمي أي طلوع الفجر أي ظهوره . وقرأه الكسائي وخلف بكسر اللام على معنى زمان طلوع الفجر .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة البينة .
وردت تسمية هذه السورة في كلام النبي A ( لم يكن الذين كفروا ) .
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن النبي A قال لأبي بن كعب ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك ( لم يكن الذين كفروا ) قال : وسماني لك ؟ قال : نعم . فبكى ) فقوله : أن أقرأ عليك ( لم يكن الذين كفروا ) واضح أنه أراد السورة كلها فسماها بأول جملة فيها وسميت هذه السورة في معظم كتب التفسير وكتب السنة سورة ( لم يكن ) بالاقتصار على أول كلمة منها وهذا الاسم هو المشهور في تونس بين أبناء الكتاتيب .
وسميت في أكثر المصاحف ( سورة القيمة ) وكذلك في بعض التفاسير . وسميت في بعض المصاحف ( سورة البينة ) .
وذكر في الإتقان أنها سميت في مصحف أبي ( سورة أهل الكتاب ) أي لقوله تعالى ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) وسميت سورة ( البرية ) وسميت ( سورة الانفكاك ) . فهذه ستة أسماء .
واختلف في أنها مكية أو مدنية قال ابن عطية : الأشهر أنها مكية وهو قول جمهور المفسرين . وعن ابن الزبير وعطاء بن يسار هي مدنية .
وعكس القرطبي فنسب القول بأنها مدنية إلى الجمهور وابن عباس والقول بأنها مكية إلى يحيى بن سلام . وأخرج ابن كثير عن أحمد بن حنبل بسنده إلى أبي حبة البدري قال ( لما نزلت ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) إلى آخرها قال جبريل : يا رسول الله إن الله يأمرك أن تقرئها أبيا ) الحديث أي وأبي من أهل المدينة . وجزم البغوي وابن كثير بأنها مدنية وهو الأظهر لكثرة ما فيها من تخطئة أهل الكتاب ولحديث أبي حبة البدري وقد عدها جابر بن زيد في عداد السور المدنية . قال ابن عطية : إن النبي A إنما دفع إلى مناقضة أهل الكتاب بالدينة .
وقد عدت المائة وإحدى في ترتيب النزول نزلت بعد سورة الطلاق وقبل سورة الحشر فتكون نزلت قبل غزوة بني النضير وكانت غزوة النضير سنة أربع في ربيع الأول فنزول هذه السورة آخر سنة ثلاث أو أول سنة أربع .
وعدد آياتها ثمان عند الجمهور وعدها أهل البصرة تسع آيات .
أغراضها .
توبيخ المشركين وأهل الكتاب على تكذيبهم بالقرآن والرسول A .
والتعجيب من تناقض حالهم إذ هم ينتظرون أن تأتيهم البينة فلما أتتهم البينة كفروا بها .
وتكذيبهم في ادعائهم أن الله أوجب عليهم التمسك بالأديان التي هم عليها .
ووعيدهم بعذاب الآخرة