وأصل ( تنزل ) تتنزل فحذفت إحدى التاءين اختصارا . وظاهر أن تنزل الملائكة إلى الأرض .
ونزول الملائكة إلى الأرض لأجل البركات التي تحفهم .
A E و ( الروح ) : هو جبريل أي ينزل جبريل في الملائكة .
ومعنى ( بإذن ربهم ) أن هذا التنزيل كرامة أكرم الله بها المسلمين بأن أنزل لهم في تلك الليلة جماعات من ملائكته وفيهم أشرفهم وكان نزول جبريل في تلك الليلة ليعود عليها من الفضل مثل الذي حصل في مماثلتها الأولى ليلة نزوله بالوحي في غار حراء .
وفي هذا أصل لإقامة المواكب لإحياء ذكرى أيام مجد الإسلام وفضله وأن من كان له عمل في أصل تلك الذكرى ينبغي أن لا يخلو عنه موكب البهجة بتذكارها .
وقوله ( بإذن ربهم ) متعلق ب ( تنزل ) إما بمعنى السببية أي يتنزلون بسبب إذن ربهم لهم في النزول فالإذن بمعنى المصدر وإما بمعنى المصاحبة أي مصاحبين لما أذن به ربهم فالإذن بمعنى المأذون به من إطلاق المصدر على المفعول نحو ( هذا خلق الله ) .
و ( من ) في قوله من ( كل أمر ) يجوز أن تكون بيانية تبين الإذن من قوله ( بإذن ربهم ) أي بإذن ربهم الذي هو في كل أمر .
ويجوز أن تكون بمعنى الباء أي تتنزل بكل أمر مثل ما في قوله تعالى ( يحفظونه من أمر الله ) أي بأمر الله وهذا إذا جعلت باء ( بإذن ربهم ) سببية ويجوز أن تكون للتعليل أي من أجل كل أمر أراد الله قضاءه بتسخيرهم .
و ( كل ) مستعملة في معنى الكثرة للأهمية أي في أمور كثيرة عظيمة كقوله تعالى ( ولو جاءتهم كل آية ) وقوله ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) وقوله ( واضربوا منهم كل بنان ) . وقوله النابغة : .
بها كل ذيال وخنساء ترعوي ... إلى كل رجاف من الرمل فارد وقد بينا ذلك عند قوله تعالى ( وعلى كل ضامر ) في سورة الحج .
وتنوين ( أمر ) للتعظيم أي بأنواع الثواب على الأعمال في تلك الليلة . وهذا الأمر غير الأمر الذي في قوله تعالى ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) مع أن ( أمرا من عندنا ) في سورة الدخان متحدة مع اختلاف شؤونها فإن لها شؤونا عديدة .
ويجوز أن يكون هو الأمر المذكور هنا فيكون هنا مطلقا وفي آية الدخان مقيدا .
واعلم أن موقع قوله ( تنزل الملائكة والروح فيها ) الى قوله ( من كل أمر ) من جملة ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) موقع الاستئناف البياني أو موقع بدل الاشتمال فالمراعاة هذا الموقع فصلت الجملة عن التي قبلها ولم تعطف عليها مع أنهما مشتركان في كون كل واحدة منهما تفيد بيانا لجملة ( وما أدراك ما ليلة القدر ) فأوثرت مراعاة موقعها الاستئنافي أو البدلي على مراعاة اشتراكهما في كونها بيانا لجملة ( وما أدراك ما ليلة القدر ) لأن هذا البيان لا يفوت السامع عند إيرادها في صورة البيان أو البدل بخلاف ما لو عطفت على التي قبلها بالواو لفوات الإشارة إلى أن تنزل الملائكة فيها من أحوال خيريتها .
وجملة ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) بيان لمضمون ( من كل أمر ) وهو كالاحتراس لأن تنزل الملائكة يكون للخير ويكون للشر لعقاب مكذبي الرسل قال تعالى ( ما تنزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذن منظرين ) وقال ( يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ) . وجمع بين إنزالهم للخير والشر فى قوله ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق ) الآية فأخبر هنا أن تنزل الملائكة ليلة القدر لتنفيذ أمر الخير للمسلمين الذين صاموا رمضان وقاموا ليلة القدر فهذه بشارة .
والسلام : مصدر أو اسم مصدر معناه السلامة قال تعالى ( قنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) . ويطلق السلام على التحية والمدحة وفسر السلام بالخير والمعنيان حاصلان في هذه الآية فالسلامة تشمل كل خير لأن الخير سلامة من الشر ومن الأذى فيشمل السلام الغفران وإجزال الثواب واستجابة الدعاء بخير الدنيا والآخرة . والسلام بمعنى التحية والقول الحسن مراد به ثناء الملائكة على أهل ليلة القدر كدأبهم مع أهل الجنة فيما حكاه قوله تعالى ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتهم فنعم عقبى الدار ) .
وتنكير ( لام ) للتعظيم . وأخبر عن الليلة بأنها سلام للمبالغة لأنه إخبار بالمصدر .
A E