A E .
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها .
شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها الخ ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر [ 4 ] سلام هي حتى مطلع الفجر [ 5 ] ) إذا ضم هذا البيان الثني لما في قوله ( وما أدراك ما ليلة القدر ) من الإبهام التفخيمي حصل منها ما يدل دلالة بينة على أن الله جعل مثل هذه الفضيلة لكل ليلة من ليالي الأعوام تقع في مثل الليلة من شهر نزول القرآن كرامة للقرآن ولمن أنزل عليه وللدين الذي نزل فيه وللأمة التي تتبعه ألا ترى أن معظم السورة كان لذكر فضائل ليلة القدر فما هو إلا للتحريض على تطلب العمل الصالح فيها . فإن كونها خيرا من ألف شهر أومأ إلى ذلك وبينته الأخبار الصحيحة . والتعبير بالفعل المضارع بقوله ( تنزل الملائكة ) مؤذن بأن هذا التنزل متكرر في المستقبل بعد نزول هذه السورة .
وذكر نهايتها بطلوع الفجر لا أثر له في بيان فضلها فتعيين أنه إدماج للتعريف بمنتهاها ليحرص الناس على كثرة العمل فيها قبل انتهائها .
لا جرم أن ليلة القدر التي ابتدئ فيها نزول القرآن قد انقضت قبل أن يشعر بها أحد عدا محمد A إذ كان قد تحنث فيها وأنزل عليه أول القرآن آخرها وانقلب إلى أهله في صبيحتها فلولا إرادة التعريف بفضل الليالي الموافقة في كل السنوات لاقتصر على بيان فضل تلك الليلة الأولى ولما كانت حاجة إلى تنزل الملائكة فيها ولا إلى تعيين منتهاها .
وهذا تعليم للمسلمين أن يعظموا أيام فضلهم الديني وأيام نعم الله عليهم وهو مماثل لما شرع الله لموسى من تفضيل بعض أيام السنين التي توافق أياما حصلت فيها نعم عظمى من الله على موسى قال تعالى ( وذكرهم بأيام الله ) فينبغي أن تعد ليلة القدر عيد نزول القرآن .
وحكمة إخفاء تعيينها إرادة أن يكرر المسلمون حسناتهم في ليال كثيرة توخيا لمصادفة ليلة القدر كما أخفيت ساعة الإجابة يوم الجمعة .
هذا محصل ما أفاده القرآن في فضل ليلة القدر من كل عام ولم يبين أنها أية ليلة ولا من أي شهر وقد قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) فتبين أن ليلة القدر الأولى هي من ليالي شهر رمضان لا محالة فبنا أن نتطلب تعيين ليلة القدر الأولى التي ابتدئ إنزال القرآن فيها لنطلب تعيين ما يماثلها من ليالي رمضان في جميع السنين وتعيين صفة المماثلة والمماثلة تكون في صفات مختلفة فلا جائز أن تماثلها في اسم يومها نحو الثلاثاء أو الأربعاء ولا في الفصل من شتاء أو صيف أو نحو ذلك مما ليس من الأحوال المعتبرة في الدين فعلينا أن نتطلب جهة من جهات المماثلة لها في اعتبار الدين وما يرضي الله . وقد أختلف في تعيين المماثلة اختلافا كثيرا وأصح ما يعتمد في ذلك : أنها من ليالي شهر رمضان من كل سنة وأنها من ليالي الوتر كما دل عليه الحديث الصحيح ( تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان ) .
والوتر : أفضل الأعداد عند الله كما دل عليه حديث ( إن الله وتر يحب الوتر ) . وأنها ليست ليلة معينة مطردة في كل السنين بل هي متنقلة في الأعوام وأنها في رمضان وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم قال ابن رشيد : وهو أصح الأقاويل وأولاها بالصواب . وعلى أنها متنقلة في الأعوام فأكثر أهل العلم على أنها لا تخرج عن شهر رمضان . والجمهور على أنها لا تخرج عن العشر الأواخر منه وقال جماعة : لا تخرج عن العشر الأواسط والعشر الأواخر .
وتأولوا ما ورد من الآثار ضبطها على إرادة الغالب أو إرادة عام بعينه .
ولم يرد في تعيينها شيء صريح يروى عن النبي A لأن ما ورد في ذلك من الأخبار محتمل لأن يكون أراد به تعيينها في خصوص السنة التي أخبر عنها وذلك مبسوط في كتب السنة فلا نطيل به وقد أتى ابن كثير منه بكثير .
وحفظت عن الشيخ محي الدين بن العربي أنه ضبط تعيينها باختلاف السنين بأبيات ذكر في البيت الأخير منها قوله : .
وضابطها بالقول ليلة جمعة ... توافيك بعد النصف في ليلة وتر حفظناها عن بعض معلمينا ولم أقف عليها . وجربنا علامة ضوء الشمس في صبيحتها فلم تتخلف