وألحق بهذه الأفعال : فعل فقد وفعل عدم إذا استعملا في الدعاء نحو قول القائل : فقدتني وعدمتني .
وجملة ( إن إلى ربك الرجعى ) معترضة بين المقدمة والمقصد والخطاب للنبي A أي مرجع الطاغي إلى الله وهذا موعظة وتهديد على سبيل التعريض لمن يسمعه من الطغاة وتعليم للنبي A وتثبيت له أي لا يحزنك طغيان الطاغي فان مرجعه إلى ومرجع الطاغي إلى العذاب قال تعالى ( إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مئابا ) وهو موعظة للطاغي بأن غناه لا يدفع عنه الموت والموت : رجوع إلى الله كقوله ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) .
وفيه معنى آخر وهو أن استغناءه غير حقيقي لأنه مفتقر إلى الله في أهم أموره ولا يدري ماذا يصيره إليه ربه من العواقب فلا يزده يغنى زائف في هذه الحياة فيكون ( الرجعى ) مستعملا في مجازه وهو الاحتياج إلى المرجوع إليه وتأكيد الخبر ب ( إن ) مراعى فيه المعنى التعريضي لأن معظم الطغاة ينسبون هذه الحقيقة بحيث ينزلون منزلة من ينكرها .
والجرعى : بضم الراء مصدر رجع على زنة فعلى مثل البشرى .
وتقديم ( إلى ربك ) على ( الرجعى ) للاهتمام بذلك .
وجملة ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) إلى آخرها هي المقصود من الردع الذي أفاده حرف ( كلا ) فهذه الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا متصلا باستئناف جملة ( إن الإنسان ليطغى ) .
و ( الذي ينهى ) اتفقوا على أنه أريد به أبو جهل إذ قال قولا يريد به نهي النبي A أن يصلي في المسجد الحرام فقال في ناديه : لئن رأيت محمدا يصلي في الكعبة لأطأن على عنقه . فإنه أراد بقوله ذلك أن يبلغ إلى النبي A فهو تهديد يتضمن النهي عن أن يصلي في المسجد الحرام ولم يرو أنه نهاه مشافهة .
و ( أرايت ) كلمة تعجيب من حال تقال للذي يعلم أنه رأى حالا عجيبة . والرؤية علمية أي أعلمت الذي ينهي عبدا والمستفهم عنه هو ذلك العلم والمفعول الثاني ل ( رأيت ) محذوف دل عليه قوله في آخر الجمل ( ألم يعلم بأن الله يرى ) .
والاستفهام مستعمل في التعجيب لأن الحالة العجيبة من شأنها أن يستفهم عن وقوعها استفهام تحقيق وتثبيت لنبئها إذ لا يكاد يصدق به فاستعمال الاستفهام في التعجيب مجاز مرسل في التركيب . ومجيء الاستفهام في التعجيب كثير نحو ( هل أتاك حديث الغاشية ) .
والرؤية علمية والمعنى : أعجب ما حصل لك من العلم قال الذي ينهي عبدا إذا صلى . ويجوز أن تكون الرؤية بصرية لأنها حكاية أمر وقع في الخارج .
والخطاب في ( أرأيت ) لغير معين .
والمراد بالعبد النبي A . وإطلاق العبد هنا على معنى واحد من عباد الله أي شخص كما في قوله تعالى ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) أي رجالا . وعدل عن التعبير عنه بضمير الخطاب لأن التعجيب من نفس النهي عن الصلاة بقطع النظر عن خصوصية المصلي . فشموله لنهيه عن صلاة النبي A أوقع وصيغة المضارع في قوله ( ينهي ) لاستحضار الحالة العجيبة وإلا فإن نهيه قد مضي .
والمنهي عنه محذوف يغني عنه تعليق الظرف بفعل ( ينهي ) أي ينهاه عن صلاته .
( أرايت إن كان على الهدى [ 11 ] أو أمر بالتقوى [ 12 ] ) تعجيب أخر من حال المفروض وقوعه أي أتظنه ينهي أيضا عبدا متمكنا من الهدى فتعجب من نهيه . والتقدير : أرأيته إن كان العيد على الهدى أينهاه عن الهدى أو إن كان العبد آمرا بالتقوى أينهاه عن ذلك .
والمعنى : أن ذلك هو الظن به فيعجب المخاطب من ذلك لأن من ينهى عن الصلاة وهي قربة إلى الله فقد نهى عن الهدى ويوشك أن ينهي عن أن يمأر أحد بالتقوى .
وجواب الشرط محذوف وأتى بحرف الشرط الذي الغالب فيه عدم الجزم بوقوع فعل الشرط مجاراة لحال الذي ينهى عبدا .
والرؤية هنا علمية وحذف مفعولا فعل الرؤية اختصار لدلالة ( الذي ينهى ) على المفعول الأول ودلالة ( ينهى ) على المفعول الثاني في الجملة قبلها .
A E و ( وعلى ) للاستعلاء المجازي وهو شدة التمكن من الهدى بحيث يشبه تمكن المستعلي على المكان كما تقدم في قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) .
فالضميران المستتران في فعلي ( كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) عائدان إلى ( عبدا ) وأن كانت الضمائر الحافة به عائدة إلى ( الذي ينهى عبدا إذا صلى )