فإن السياق يرد كل ضمير إلى معاده كما في قول عباس بن مرداس : .
عدنا ولولا نحن أحدق جمعهم ... بالمسلمين وأحرزوا ما جمعوا والمفعول الثاني لفعل ( رأيت ) محذوف دل عليه قوله ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أو دل عليه قوله ( ينهى ) المتقدم . والتقدير : أرأيته .
وجواب ( إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) محذوف تقديره : أينهاه أيضا .
وفصلت جملة ( أرأيت إن كان على الهدى ) لوقوعها موقع التكرير لأن فيها تكرير التعجيب من أحوال عديدة لشخص واحد .
( أرايت إن كذب وتولى [ 13 ] ألم يعلم بأن الله يرى [ 14 ] ) جملة مستأنفه للتهديد والوعيد على التكذيب والتولي أي إذا كذب بما يدعى إليه وتولى أتظنه غير عالم بأن الله مطلع عليه .
فالمفعول الأول ل ( رأيت ) محذوف وهو ضمير عائد إلى ( الذي ينهى ) والتقدير : أرأيته إن كذب ... إلى آخره .
وجواب ( إن كذب وتولى ) هو ( ألم يعلم بأن الله يرى ) كذا قدر صاحب الكشاف ولم يعتبر وجوب اقتران جملة جواب الشرط بالفاء إذا كانت الجملة استفهامية . وصرح الرضي باختيار عدم اشتراط الاقتران بالفاء ونظره بقوله تعالى ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون ) فأما قول جمهور النحات والزمخشري في المفصل فهو وجوب الاقتران بالفاء وعلى قولهم يتعين تقدير جواب الشرط بما يدل عليه ( ألم يعلم بأن الله يرى ) والتقدير إن كذب وتولى فالله عالم به كناية عن توعده وتكون جملة ( ألم يعلم بأن الله يرى ) مستأنفة لإنكار جهل المكذب بأن الله سيعاقبه واشرط وجوابه سادان مسد المفعول الثاني .
وكني بأن الله يرى عن الوعيد بالعقاب .
وضمن فعل ( يعلم ) معنى يوقن فلذلك عدي بالباء .
وعلق فعل ( أرأيت ) هنا عن العمل لوجود الاستفهام في قوله ( ألم يعلم ) .
والاستفهام إنكاري أي كان حقه أن يعلم ذلك ويقي نفسه العقاب .
وفي قوله ( إن كذب وتولى ) إيذان للنبي A بأن أبا جهل سيكذبه حين يدعوه إلى الإسلام وسيتولى ووعد بأن الله سينتصف له منه .
وضمير ( كذب وتولى ) عائد إلى ( الذي ينهى عبدا إذا صلى ) وقرينة المقام ترجع الضمائر إلى مراجعها المختلفة .
وحذف مفعول ( كذب ) لدلالة ما قبله عليه . والتقدير : إن كذبه أي العبد الذي صلى وبذلك انتظمت الجمل الثلاث في نسبة معانيها إلى الذي ينهى عبدا إذا صلى وإلى العبد الذي صلى واندفعت عنك ترددات عرضت في التفاسير .
وحذف مفعول ( يرى ) ليعم كل موجود والمراد بالرؤية المسندة إلى الله تعالى تعلق علمه بالمحسوسات .
( كلا ) أكد الردع الأول بحرف الردع الثاني وفي آخر الجملة وهو الموقع الحقيق لحرف الردع إذ كان تقديم نظيره في أول الجملة لما دعا إليه لمقام من التشويق .
( لئن لم ينته لنسفعا بالناصية [ 15 ] ناصية كذبة خاطئة [ 16 ] ) أعقب الردع بالوعيد على فعله إذا لم يرتدع وينته عنه .
واللام موطئة للقسم وجملة ( لنسفعن ) جواب القسم وأما جواب الشرط فمحذوف دل عليه جواب القسم .
والسفع : القبض الشديد بجذب .
والناصية مقدم شعر الرأس والأخذ من الناصية أخذ من لا يترك له تمكن من الانفلات فهو كناية عن أخذه إلى العذاب وفيه إذلال لأنهم كانوا لا يقبضون على شعر رأس أحد إلا لضربه أو لجره . وأكد ذلك السفع بالباء المزيدة الداخلة على المفعول لتأكيد اللصوق .
والنون نون التوكيد الخفيفة التي يكثر دخولها في القسم المثبت وكتبت في المصحف ألفا رعيا للنطق لها في الوقف لأن أواخر الكلم أكثر ما ترسم على مراعاة النطق في الوقف .
والتعريف في ( الناصية ) للعهد التقديري أي بناصيته أي ناصية الذي ينهى عبدا إذا صلى وهذا اللام هي التي يسميها نحاة الكوفة عوضا عن المضاف إليه . وهي تسمية حسنة وإن أباها البصريون فقدروا في مثله متعلقا لمدخول اللام .
و ( ناصية ) بدل من الناصية وتنكيرها لاعتبار الجنس أي هي من جنس ناصية كاذبة خاطئة .
A E و ( خاطئة ) اسم فاعل من خطئ من باب علم إذا فعل خطيئة أي ذنبا ووصف الناصية بالكاذبة والخاطئة مجاز عقلي . والمراد : كاذب صاحبها خاطئ صاحبها أي آثم . ومحسن هذا المجاز أن فيه تخييلا بأن الكذب والخطء باديان من ناصيته فكانت الناصية جديرة بالسفع