وتعريف ( المرصاد ) تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلق أي بالمرصاد لكل فاعل فهو تمثيل لعموم علم الله بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم بحال اطلاع الرصد على تحركات العدو والمغيرين وهذا المثل كناية عن مجازاة كل عامل بما عمله ويعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاء على العدوان وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به .
والباء في قوله ( بالمرصاد ) للظرفية .
( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن [ 15 ] وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن [ 16 ] كلا ) دلت الفاء على أن الكلام الواقع بعدها متصل بما قبلها ومتفرع عليه لا محالة .
ودلت ( أما ) على معنى : مهما يكن من شيء وذلك أصل معناها ومقتضى استعمالها فقوي بها ارتباط جوابها بما قبلها وقبل الفاء المتصلة بها فلاح ذلك برقا فقوي بها ارتباط جوابها بما قبلها وقبل الفاء المتصلة بها فلاح ذلك برقا وامضا وانجلى بلمعه ما كان غامضا إذ كان تفريع ما بعد هذه الفاء على ما قبلها خفيا فلنبينه بيانا جليا ذلك أن الكلام السابق اشتمل على وصف ما كانت تتمتع فيه الأمم الممثل بها مما أنعم الله عليها به من النعم وهم لاهون عن دعوة رسل الله ومعرضون عن طلب مرضاة ربهم مقتحمون المناكر التي لهو عنها بطرون بالنعمة معجبون بعظمتهم فعقب ذكر ما كانوا عليه وما جازاهم الله به عليه من عذاب في الدنيا باستخلاص العبرة وهو تذكير المشركين بأن حالهم مماثل لحال أولئك ترفا وطغيانا وبطرا وتنبيههم على خطاهم إذ كان لهم من حال الترف والنعمة شبهة توهموا بها أن الله جعلهم محل كرامة فحسبوا أن إنذار الرسول A إياهم بالعذاب ليس بصدق لأنه يخالف ما هو واقع لهم من النعمة فتوهموا أن فعل الله بهم أدل على كرامتهم عنده مما يخبر به الرسول A أن الله أمرهم بخلاف ما هم عليه ونفوا أن يكون بعد هذا العالم عالم آخر يضاده وقصروا عطاء الله على ما عليه عباده في هذه الحياة الدنيا فكان الوهم مسولا لهم التكذيب بما أنذروا به من وعيد وبما يسر المؤمنون من ثواب في الآخرة فحصروا جزاء الخير في الثروة والنعمة وقصروا جزاء السوء على الخصاصة وقتر الرزق . وقد تكرر في القرآن التعرض لإبطال ذلك كقوله ( أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) .
وقد تضمن هذا الوهم أصولا انبنى عليها إنكار الجزاء في الآخرة وإنكار الحياة الثانية وتوهم دوام الأحوال .
ففاء التفريع مرتبطة بجملة ( إن ربك لبالمرصاد ) بما فيها من العموم الذي اقتضاه كونها تذييلا .
والمعنى : هذا شأن ربك الجري على وفق علمه وحكمته .
فأما الإنسان الكافر فيتوهم خلاف ذلك إذ يحسب أن ما يناله من نعمة وسعة في الدنيا تكريما من الله له وما يناله من ضيق عيش إهانة أهانه الله بها .
وهذا التوهم يستلزم ظنهم أفعال الله تعالى جارية على غير حكمة قال تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مستهم ليقولن هذا لي وما أضن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) .
فأعلم الله رسوله A بالحقيقة الحق ونبههم لتجنب تخليط الدلائل الدقيقة السامية وتجنب تحكيم الواهمة والشاهية وذكرهم بأن الأحوال الدنيوية أعراض زائلة ومتفاوتة الطول والقصر وفي ذلك كله إبطال لمعتقد أهل الشرك وضلالهم الذي كان غالبا على أهل الجاهلية ولذلك قال النابغة في آل غسان الذين لم يكونوا مشركين وكانوا متدينين بالنصرانية : .
مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب .
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب وقد أعقب الله ذلك بالردع والإبطال بقوله ( كلا ) . فمناط الردع والإبطال كلا القولين لأنهما صادران عن تأويل باطل وشبهة ضالة كما ستعرفه عند قوله تعالى ( فأكرمه ونعمه ) .
A E