ووصف النار ب ( حامية ) لإفادة تجاوز حرها المقدار المعروف لأن الحمي من لوازم ماهية النار فلما وصفت ب ( حامية ) كان دالا على شدة الحمى قال تعالى ( نار الله الموقدة ) .
وأخبر عن ( وجوه ) خبرا خامسا بجملة ( تسقى من عين آنية ) أو هو حال من ضمير ( تصلى ) لأن ذكر الاحتراق بالنار يحضر في الذهن تطلب إطفاء حرارتها بالشراب فجعل شرابهم من عين آنية .
يقال : أنى إذا بلغ شدة الحرارة ومنه قوله تعالى ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) في سورة الرحمن .
وذكر السقي يخطر في الذهن تطلب معرفة ما يطعمونه فجيء به خبرا سادسا أو حالا من ضمير ( تسقى ) بجملة ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) أي يطعمون طعام إيلام وتعذيب لا نفع فيه لهم ولا يدفع عنهم ألما .
وجملة ( ليس لهم طعام ) الخ خبر سادس عن ( وجوه ) .
وضمير ( لهم ) عائد إلى ( وجوه ) باعتبار تأويله بأصحاب الوجوه ولذلك جيء به ضمير جماعة المذكر . والتذكير تغليب للذكور على الإناث .
والضريع : يابس الشبرق " بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وكسر الراء " وهو نبت ذو شوك إذا كان رطبا فإذا يبس سمي ضريعا وحينئذ يصير مسموما وهو مرعى للإبل ولحمر الوحش إذا كان رطبا فما يعذب بأهل النار بأكله شبه بالضريع في سوء طعمه وسوء مغبته .
وقيل : الضريع اسم سمى القرآن به شجرا في جهنم مأن هذا الشجر هو الذي يسيل منه الغسلين الوارد في قوله تعالى ( فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين ) وعليه فحرف ( من ) للابتداء أي ليس لهم طعام إلا ما يخرج من الضريع والخارج هو الغسلين وقد حصل الجمع بين الآيتين : ووصف ضريع بأنه لا يسمن ولا يغني من جوع لتشويهه وأنه تمحض للضر فلا يعود على آكليه بسمن يصلح بعض ما التفح من أجسادهم ولا يغني عنهم دفع ألم الجوع ولعل الجوع من ضروب تعذيبهم فيسألون الطعام فيطعمون الضريع فلا يدفع عنهم ألم الجوع .
والسمن بكسر السين وفتح الميم : وفرة اللحم والشحم للحيوان يقال : أسمنه الطعام إذا عاد عليه بالسمن .
والإغناء : الإكفاء ودفع الحاجة . و ( من جوع ) متعلق ب ( يغني ) وحرف ( من ) لمعنى البدلية أي غناء بدلا عن الجوع .
والقصر المستفاد من قوله ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) مع قوله تعالى ( ولا طعام إلا من غسلين ) يؤيد أن الضريع اسم شجر جهنم يسيل منه الغسلين .
( وجوه يومئذ ناعمة [ 8 ] لسعيها راضية [ 9 ] في جنة عالية [ 10 ] ) يتبادر في بادئ الرأي أن حق هذه الجملة أن تعطف على جملة ( وجوه يومئذ خاشعة ) بالواو لأنها مشاركة لها في حكم البيان لحديث الغاشية كما عطفت جملة ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ) على جملة ( وجوه يومئذ مسفرة ) في سورة عبس . فيتجه أن يسأل عن وجه فصلها عن التي قبلها ووجه الفصل التنبيه على أن المقصود من الاستفهام في ( هل أتاك حديث الغاشية ) الإعلام بحال المعرض بتهديدهم وهم أصحاب الوجوه الخاشعة فلما حصل ذلك الإعلام بجملة ( وجوه يومئذ خاشعة ) إلى آخرها تم المقصود فجاءت الجملة بعدها مفصولة لأنها جعلت استئنافا بيانيا جوابا عن سؤال مقدر تثيره الجملة السابقة فيتساءل السامع : هل من حديث الغاشية ما هو مغاير لهذا الهول ؟ أي ما هو أنس ونعيم لقوم آخرين .
ولهذا النظم صارت هذه الجملة بمنزلة الاستطراد والتتميم لإظهار الفرق بين حالي الفريقين ولتعقيب النذارة بالبشارة فموقع هذه الجملة المستأنفة موقع الاعتراض ولا تنافي بين الاستئناف والاعتراض وذلك موجب لفصلها عما قبلها . وفيه جري القرآن على سننه من تعقيب الترهيب والترغيب .
فأما الجملتان اللتان في سورة عبس فلم يتقدمهما إبهام لأنهما متصلتان معا بالظرف وهو ( فإذا جاءت الصاخة ) .
وقد علم من سياق توجيه الخطاب إلى الرسول A أن الوجوه الأولى وجوه المكذبين بالرسول والوجوه المذكورة بعدها وجوه المؤمنين المصدقين بما جاء به .
والقول في تنكير ( وجوه ) والمراد بها والإخبار عنها بما بعدها كالقول في الآيات التي سبقتها .
A E و ( ناعمة ) : خبر عن ( وجوه ) . يجوز أن يكون مشتقا من نعم بضم العين ينعم بضمها الذي مصدره نعومة وهي اللين وبهجة المرأى وسحن المنظر . ويجوز أن يكون مشتقا من نعم بكسر العين ينعم مثل حذر إذا كان ذا نعمة أي حسن العيش والترف