ويتعلق ( لسعيها ) بقوله ( راضية ) و ( راضية ) خبر ثان عن ( وجوه ) .
والمراد بالسعي : العمل الذي يسعاه المرء ليستفيد منه . وعبر به هنا مقابل قوله في ضده ( عاملة ) .
والرضى : ضد السخط أي هي حامدة ما سعته في الدنيا من العمل الذي هو امتثال ما أمر الله به على لسان رسوله A .
والمجرور في قوله ( في جنة عاليه ) خبر ثالث عن ( وجوه ) .
والجنه أريد به مجموع دار الثواب الصادق بجنات كثيرة أو أريد به الجنس مثل ( علمت نفس ) .
ووصف ( الجنة ) ب ( عالية ) لزيادة الحسن لأن أحسن الجنات ما كان في المرتفعات قال تعالى ( كمثل جنة بربوة ) فذلك يزيد حسن باطلها بحسن ما يشاهده الكائن فيها من مناظر وهذا وصف شامل لحسن موقع الجنة .
( لا تسمع فيها لاغية [ 11 ] ) اللاغية : مصدر بمعنى اللغو مثل الكاذبة للكذب . والخائنة والعافية أي لا يسمع فيها لغو أو هو وصف لموصوف مقدر التأنيث أي كلمة لاغية لما دل عليه ( لاغية ) من أنها كلمات ووصف الكلمة بذلك مجاز عقلي لأن اللاغي صاحبها .
ونفي سماع ( لاغية ) مكنى به عن انتفاء اللغو في الجنة من باب : " ولا ترى الضب بها ينجحر " أي لا ضب بها إذ الضب لا يخلو من الإنجحار .
واللغو : الكلام الذي لا فائدة له وهذا تنبيه على أن الجنة دار جد وحقيقة فلا كلام فيها إلا لفائدة لأن النفوس فيها تخلصت من النقائص كلها فلا يلذ لها إلا الحقائق والسمو العقلي والخلقي ولا ينطقون إلا ما يزيد النفوس تزكية .
وجملة ( لا تسمع فيها لاغية ) صفة ثانية ل ( جنة ) ترك عطفها على الصفة التي قبلها لأن النعوت المتعددة يجوز أن تعطف ويجوز أن تفصل دون عطف قال في التسهيل : " ويجوز عطف بعض النعوت على بعض وقال المرادي في شرحه نحو قوله تعالى ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى ) . وقال : ولا يعطف إلا بالواو ما لم يكن ترتيب : فبالفاء كقوله : .
يا لهف زيابة للحارب ال ... صابح فالغانم فالآيب قال السهيلي : والعطف ب ( ثم ) جوازه بعيد . اه . قال الدماميني : وكذا في الجمل مررت برجل يحفظ القرآن ويعرف الفقه ويتقي إلى الله قال : ونص الواحدي في قوله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم ) . أن لا يألونكم وما بعده من الجمل " أي الثلاث " لا يكون صفات لعدم العاطف لكن ظاهر سكوت الجمهور عن وجوب العطف يشعر بجوازه فيها " أي الجمل " كالمفردات اه .
ابتدئ في تعداد صفات الجنة بصفتها الذاتية وهو كونها عالية . وثني بصفة تنزيهها عما يعد من نقائص مجامع الناس ومساكن الجماعات وهو الغوغاء واللغو وقد جردت هذه الجملة من أن تعطف على عالية مراعاة لعدم التناسب بين المفردات والجمل وذلك حقيق بعدم العطف لأنه أشد من كمال الانقطاع في عطف الجمل .
وهذا وصف للجنة بحسن سكانها .
وقرأ نافع ( لا تسمع ) بمثابة فوقية مضمومة و ( لاغية ) نائب فاعل وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بمثناة تحتية مضمومة وبرفع ( لاغية ) أيضا فأجري الفعل على التذكير لأن ( لاغية ) ليس حقيقي التأنيث وحسنه وقوع الفصل بين الفعل وبين المسند إليه وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وروح عن يعقوب بفتح المثناة الفوقية وبنصب ( لاغية ) والتاء لخطاب غير المعين .
( فها عين جارية [ 12 ] ) صفة ثالثة ل ( جنة ) . فالمراد جنس العيون كقوله تعالى ( علمت نفس ما أحضرت ) أي علمت النفوس وهذا وصف للجنة باستكمالها محاسن الجنات قال تعالى ( أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ) .
وإنما لم تعطف على لجملة التي قبلها لاختلافهما بالفعلية في الأولى والاسمية في الثانية وذلك الاختلاف من محسنات الفصل ولأن جملة ( لا تسمع فيها لاغية ) مقصود منها التنزه عن النقائص وجملة ( فيها عين جارية ) مقصود منها إثبات بعض محاسنها .
( فيها سرر مرفوعة [ 13 ] وأكواب موضوعة [ 14 ] ونمارق مصفوفة [ 15 ] وزرابي مبثوثة [ 16 ] ) صفة رابعة لجنة .
A E