وتثبيت النبي A على الدعوة إلى الإسلام وأن لا يعبأ بإعراضهم .
وأن وراءهم البعث فهم راجعون إلى الله فهو مجازيهم على كفرهم وإعراضهم .
( هل أتيك حديث الغاشية [ 1 ] ) الافتتاح بالاستفهام عن بلوغ خبر الغاشية مستعمل في التشويق إلى معرفة هذا الخبر لما يترتب عليه من الموعظة .
وكون الاستفهام ب ( هل ) المفيدة معنى ( قد ) فيه مزيد تشويق فهو استفهام صوري يكنى به عن أهمية الخبر بحيث شأنه أن يكون بلغ السامع وقد تقدم نظيره في قوله تعالى ( هل أتاك نبأ الخصم ) في سورة ص . وقوله ( هل أتاك حديث موسى ) في سورة النازعات .
وتقدم هنالك إطلاق فعل الإتيان على فشو الحديث .
وتعريف ما أضيف إليه ( حديث ) بوصفه ( الغاشية ) الذي يقتضي موصوفا لم يذكر هو إبهام لزيادة التشويق إلى بيانه الآتي ليتمكن الخبر في الذهن كمال تمكن .
والحديث : الخبر المتحدث به وهو فعيل بمعنى مفعول أو الخبر الحاصل بحدثان أي ما حدث من أحوال . وتقدم في سورة النازعات .
والغاشية : مشتقة من الغشيان وهو تغطية متمكنة وهي صفة أريد بها حادثة القيامة سميت غاشية على وجه الاستعارة لأنها إذا حصلت لم يجد الناس مفرا من أهوالها فكأنها غاش يغشى على عقولهم . ويطلق الغشيان على غيبوبة العقل فيجوز أن يكون وصف الغاشية مشتقا منه . ففهم من هذا أن الغاشية صفة لمحذوف يدل عليه السياق وتأنيث الغاشية لتأويلها بالحادثة ولم يستعملوها إلا مؤنثة اللفظ والتأنيث كثير في نقل الأوصاف إلى الاسمية مثل الداهية والطامة والصاخة والقارعة والآزفة .
والغاشية هنا : علم بالغلبة على ساعة القيامة كما يؤذن بذلك قوله عقبه ( وجوه يومئذ ) أي يوم الغاشية .
( وجوه يومئذ خاشعة [ 2 ] عاملة ناصبة [ 3 ] تصلى نارا حامية [ 4 ] تسقى من عين آنية [ 5 ] ليس لهم طعام إلا من ضريع [ 6 ] لا يسمن ولا يغني من جوع [ 7 ] ) ( وجوه ) مبتدأ و ( خاشعة ) خبر والجملة بيان لحديث الغاشية كما يفيده الظرف من قوله ( يومئذ ) فإن ما صدقه هو يوم الغاشية . ويكون تنكير ( وجوه ) مبتدأ قصد منه النوع .
و ( خاشعة عاملة ناصبة ) أخبار ثلاثة عن ( وجوه ) والمعنى : أناس خاشعون الخ .
فالوجوه كناية عن أصحابها إذ يكنى بالوجه عن الذات كقوله تعالى ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) . وقرينة ذلك هنا قوله بعده ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) إذ جعل ضمير الوجوه جماعة العقلاء .
وأوثرت الوجوه بالكناية عن أصحابها هنا وفي مثل هذا المقام لأن حالة الوجوه تنبئ عن حالة أصحابها إذ الوجه عنوان عما يجده صاحبه من نعيم أو شقوة كما يقال خرج بوجه غير الوجه الذي دخل به .
وتقدم في قوله تعالى ( وجوه يومئذ مسفرة ) الآية في سورة عبس .
ويجوز أن يجعل إسناد الخشوع والعمل والنصب إلى ( وجوه ) من قبيل المجاز العقلي أي أصحاب وجوه .
ويتعلق ( يومئذ ) ب ( خاشعة ) قدم على متعلقة للاهتمام بذلك اليوم ولما كانت ( إذ ) من الأسماء التي تلزم الإضافة إلى جملة فالجملة المضاف إليها ( إذ ) محذوفة عوض عنها التنوين ويدل عليها ما في اسم ( الغاشية ) من لمح أصل الوصفية لأنها بمعنى التي تغشى الناس فتقدير الجملة المحذوفة يوم إذ تغشى الغاشية .
أو يدل على الجملة سياق الكلام فتقدر الجملة : يوم إذ تحدث أو تقع .
و ( خاشعة ) : ذليلة يطلق الخشوع على المذلة قال تعالى ( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ) وقال ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ) .
والعاملة : المكلفة العمل من المشاق يومئذ . وناصبة : من النصب وهو التعب .
وأوثر وصف ( خاشعة ) و ( عاملة ) و ( ناصبة ) تعريضا بأهل الشقاء بتذكيرهم بأنهم تركوا الخشوع لله والعمل بما أمر به والنصب في القيام بطاعته فجزائهم خشوع ومذلة وعمل مشقة ونصب إرهاق .
وجملة ( تصلى نارا حامية ) خبر رابع عن ( وجوه ) . ويجوز أن تكون حالا يقال : صلي يصلى إذ أصابه حر النار وعليه فذكر ( نارا ) بعد ( تصلى ) لزيادة التهويل والإرهاب وليجرى على ( نارا ) وصف ( حامية ) .
A E وقرأ الجمهور ( تصلى ) بفتح التاء أي يصيبها صلي النار . وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب ( تصلى ) بضم التاء من أصلاه النار بهمزة التعدية إذا أناله حرها