تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم وموسى عليهما السلام قصد به الإبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم ورسالة موسى ولذلك أكد هذا الخبر ب ( إن ) ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين .
والإشارة بكلمة ( هذا ) إلى مجموع قوله ( قد أفلح من تزكى ) إلى قوله ( وأبقى ) فإن ما قبل ذلك من أول السورة إلى قوله ( قد أفلح من تزكى ) ليس مما ثبت معناه في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام .
روى ابن مردويه والآجري عن أبي ذر قال : " قلت يا رسول الله هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : نعم ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) . لم أقف على مرتبة هذا الحديث .
ومعنى الظرفية في قوله ( لفي الصحف ) أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ) أي ما في قطنا وهو صك الأعمال .
والصحف : جمع صحيفة على غير قياس لأن قياس جمعه صحائف ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا : سفن في جمع سفينة ووجه جمع الصحف أن إبراهيم كان له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة .
وجاء نظم الكلام على أسلوب الإجمال والتفصيل ليكون هذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله ( صحف إبراهيم وموسى ) بدل من ( الصحف الأولى ) .
و ( الأولى ) : وصف لصحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث و ( الأولى ) صيغة تفضيل . واختلف في الحروف الأصلية للفظ أول فقيل حروفه الأصول همزة فواو ( مكررة ) فلام ذكره في اللسان فيكون وزن أول : أأول فقلبت الهمزة الثانية واو وأدغمت في الواو . وقيل أصوله : واوان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول : أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر .
وقيل حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فاصل أول أو أل بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واوا وأدغما .
و ( الأولى ) : مؤنث أفعل من هذه المادة فإما أن نقول : أصلها أولى سكنت الواو سكونا ميتا لوقوعها إثر ضمة أو أصلها : وولى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضا أو أصلها : وألى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب فقيل : أولى فوزنها على هذا عفلى .
والمراد بالأولية في وصف الصحف سبق الزمان بالنسبة إلى القرآن لا التي لم يسبقها غيرها لأنه قد روي أن بعض الرسل قبل إبراهيم أنزلت عليهم صحف . فهو كوصف ( عاد ) ب ( الأولى ) في قوله ( وأنه أهلك عادا الأولى ) وقوله تعالى ( هذا نذير من النذر الأولى ) وفي حديث البخاري " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت " .
وأخرج عبد بن حميد وبن مردويه وبن عساكر وأبو بكر الآجري عن أبي ذر عن رسول الله A أن صحف إبراهيم كانت عشر صحائف .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الغاشية .
سميت في المصاحف والتفاسير ( سورة الغاشية ) . وكذلك عنونها الترمذي في كتاب التفسير من جامعه لوقوع لفظ ( الغاشية ) في أولها .
وثبت في السنة تسميتها ( هل أتاك حديث الغاشية ) ففي الموطأ أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير " بم كان رسول الله يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة ؟ قال : هل أتاك حديث الغاشية " . وهذا ظاهر في التسمية لأن السائل سأل عما يقرأ مع سورة الجمعة فالمسؤول عنه السورة الثانية وبذلك عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه .
وربما سميت ( سورة هل أتاك ) بدون كلمة ( حديث الغاشية ) . وبذلك عنونها ابن عطية في تفسيره وهو اختصار .
وهي مكية بالاتفاق .
وهي معدودة السابعة والستين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الذاريات وقبل سورة الكهف .
وآياتها ست وعشرون .
أغراضها .
اشتملت هذه السورة على تهويل يوم القيامة وما فيه من العقاب قوم مشوهة حالتهم ومن ثواب قوم ناعمة حالتهم وعلى وجه الإجمال المرهب أو المرغب .
A E والإيماء إلى ما يبين ذلك الإجمال كله بالإنكار على قوم لم يهتدوا بدلالة مخلوقات من خلق الله وهي نصب أعينهم على تفرده بالإلهية فيعلم السامعون أن الفريق المهدد هم المشركون .
وعلى إمكان إعادته بعض مخلوقاته خلقا جديدا بعد الموت يوم البعث