فتسبيح اسم الله النطق بتنزيهه في الخويصة وبين الناس بذكر يليق بجلاله من العقائد والأعمال كالسجود والحمد . ويشمل ذلك استحضار الناطق بألفاظ التسبيح معاني تلك الألفاظ إذ المقصود من الكلام معناه . وبتظاهر النطق مع استحضار المعنى يتكرر المعنى على ذهن المتكلم ويتجدد ما في نفسه من تعظيم الله تعالى .
وأما تفكر العبد في عظمة الله تعالى وترديد تنزيهه في ذهنه فهو تسبيح لذات الله ومسمى اسمه ولا يسمى تسبيح اسم الله لأن ذلك لا يجري على لفظ من أسماء الله تعالى فهذا تسبيح ذات الله وليس تسبيحا لاسمه .
وهذا ملاك التفرقة بين تعلق لفظ التسبيح بلفظ اسم الله نحو ( سبح اسم ربك ) وبين تعلقه بدون اسم نحو ( ومن الليل فاسجد له وسبحه ) ونحو ( ويسبحونه وله يسجدون ) فإذا قلنا ( الله أحد ) أو قلنا ( هو الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام ) إلى آخر السورة كان ذلك تسبيحا لاسمه تعالى وإذا نفينا الإلاهية عن الأصنام لأنها لا تخلق كما في قوله تعالى ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) كان ذلك تسبيحا لذات الله لا لأسمه لأن اسمه لم يجر عليه في هذا الكلام إخبار ولا توصيف .
فهذا مناط الفرق بين استعمال ( سبح اسم ربك ) واستعمال ( وسبحه ) ومآل الإطلاقين في المعنى واحد لأن كلا الإطلاقين مراد به الإرشاد إلى معرفة أن الله منزه عن النقائض .
واعلم أن مما يدل على إرادة التسبيح بالقول وجود قرينة في الكلام تقتضيه مثل التوقيت بالوقت في قوله تعالى ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) فإن الذي يكلف بتوقيته هو الأقوال والأفعال دون العقائد ومثل تعدية الفعل بالباء مثل قوله تعالى ( وسبحوا بحمد ربهم ) فإن الحمد قول فلا يصاحب إلا قولا مثله .
وتعريف ( اسم ) بطريقة الإضافة إلى ( ربك ) دون تعريفه بالإضافة إلى علم الجلالة نحو : سبح اسم الله لما يشعر به وصف رب من أنه الخالق المدبر . وأما إضافة ( رب ) إلى ضمير الرسول A فلتشريفه بهذه الإضافة وأن يكون له حظ زائد على التكليف بالتسبيح .
ثم أجري على لفظ ( ربك ) صفة ( الأعلى ) وما بعدها من الصلات الدالة على تصرفات قدرته فهو مستحق للتنزيه لصفات ذاته ولصفات إنعامه على الناس بخلقهم في أحسن تقويم وهدايتهم ورزقهم وزرق أنعامهم للإيماء إلى موجب الأمر بتسبيح اسمه بأنه حقيق بالتنزيه استحقاقا لذاته ولوصفه بصفة أنه خالق المخلوقات خلقا يدل على العلم والحكمة وإتقان الصنع وبأنه أنعم بالهدى والرزق الذين بهما استقامة حال البشر في النفس والجسد وأوثرت الصفات الثلاث الأول لما لها من المناسبة لغرض السورة كما سنبينه .
فلفظ ( الأعلى ) اسم يفيد الزيادة في صفة العلو أي الارتفاع . والارتفاع معدود في عرف الناس من الكمال فلا ينسب العلو بدون تقييد إلا إلى شيء غير مذموم في العرف ولذلك إذا لم يذكر مع وصف الأعلى مفضل عليه أفاد التفضيل المطلق كما في وصفه تعالى هنا . ولهذا حكي عن فرعون أنه قال ( أنا ربكم الأعلى ) .
والعلو المشتق منه وصفه تعالى ( الأعلى ) علو مجازي وهو الكمال التام الدائم .
ولم يعد وصفه تعالى ( الأعلى ) في عداد الأسماء الحسنى استغناء عن اسمه ( العلي ) لأن أسماء الله توقيفية فلا من صفات الله تعالى بمنزلة الاسم إلا ما كثر إطلاقه إطلاق الأسماء وهو أوغل من الصفات قال الغزالي : والعلو في الرتبة العقلية مثل العلو في التدريجات الحسية ومثال الدرجة العقلية كالتفاوت بين السبب والمسبب والعلة والمعلول والفاعل والقابل والكامل والناقص اه .
A E وإيثار هذا الوصف في هذه السورة لأنها تضمنت التنويه بالقرآن والتثبيت على تلقيه وما تضمنه من التذكير وذلك لعلو شأنه فهو من متعلقات وصف العلو الإلهي إذ هو كلامه .
وهذا الوصف هو ملاك القانون في تفسير صفات الله تعالى ومحاملها على ما يليق بوصف الأعلى فلذلك وجب تأويل المتشابهات من الصفات .
وقد جعل من قوله تعالى ( سبح اسم ربك الأعلى ) دعاء السجود في الصلاة إذ ورد أن يقول الساجد : سبحان ربي الأعلى ليقرن أثر التنزيه الفعلي بأثر التنزيه القولي