سورة الأعلى .
هذه السورة وردت تسميتها في السنة سورة ( سبح اسم ربك الأعلى ) ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال " قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطول فشكاه بعض من صلى خلفه إلى النبي A فقال النبي : " أفتان أنت يا معاذ أين كنت عن سبح اسم ربك الأعلى والضحى " اه .
وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال : " ما جاء رسول الله A المدينة حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى " في سور مثلها .
وروى الترمذي عن النعمان بن بشير " أن رسول الله A كان يقرأ في العيد ويوم الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية " .
وسمتها عائشة ( سبح ) . روى أبو داود والترمذي عنها " كان النبي يقرأ في الوتر في الركعة الأولى سبح " الحديث . فهذا ظاهر في أنها أرادت التسمية لأنها لم تأتي بالجملة القرآنية كاملة وكذلك سماها البيضاوي وابن كثير . لأنها اختصت بالافتتاح بكلمة ( سبح ) بصيغة الأمر .
وسماها أكثر المفسرين وكتاب المصاحف ( سورة الأعلى ) لوقوع صفة الأعلى فيها دون غيرها .
وهي مكية في قول الجمهور وحديث البراء بن عازب الذي ذكرناه آنفا يدل عليه وعن ابن عمر وابن عباس أن قوله تعالى ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) نزل في صلاة العيد وصدقة الفطر أي فهما مدنيتان فتكون السورة بعضها مكي وبعضها مدني .
وعن الضحاك أن السورة كلها مدنية .
وما اشتملت عليه من المعاني يشهد لكونها مكية وحسبك بقوله تعالى ( سنقرئك فلا تنسى ) .
وهي معدودة ثامنة في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة التكوير وقبل سورة الليل . وروي عن ابن عباس وعكرمة والحسن أنها سابعة قالوا : أول ما نزل من القرآن : اقرأ باسم ربك ثم ن ثم المزمل ثم تبت ثم إذا الشمس كورت ثم سبح اسم ربك . وأما جابر بن زيد فعد الفاتحة بعد المدثر ثم عد البقية فهي عنده الثامنة فهي من أوائل السور وقوله تعالى ( سنقرئك فلا تنسى ) ينادي على ذلك .
وعدد آيها تسع عشرة آية باتفاق أهل العدد .
أغراضها .
اشتملت على تنزيه الله تعالى والإشارة إلى وحدانيته لانفراده بخلق الإنسان وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه .
وعلى تأييد النبي A وتثبيته على تلقي الوحي .
وأن الله معطيه شريعة سمحة وكتابا يتذكر به أهل النفوس الزكية الذين يخشون ربهم ويعرض عنهم أهل الشقاوة الذين يؤثرون الحياة الدنيا ولا يعبأون بالحياة الأبدية .
وأن ما أوحي إليه يصدقه ما في كتب الرسل من قبله وذلك كله تهوين لما يلقاه من إعراض المشركين .
( سبح اسم ربك الأعلى [ 1 ] الذي خلق فسوى [ 2 ] والذي قدر فهدى [ 3 ] و الذي أخرج المرعى [ 4 ] فجعله غثاء أحوى [ 5 ] ) الافتتاح بأمر النبي A بأن يسبح اسم ربه بالقول يؤذن بأنه سيلقي إليه عقبه بشارة وخيرا له وذلك قوله ( سنقرئك فلا تنسى ) الآيات كما سيأتي ففيه براعة استهلال .
والخطاب للنبي A .
والتسبيح : التنزيه عن النقائص وهو من الأسماء التي لا تضاف لغير اسم الله تعالى وكذلك الأفعال المشتقة منه لا ترفع ولا تنصب على المفعولية إلا ما هو اسم لله وكذلك أسماء المصدر منه نحو : سبحان الله . وهو من المعاني الدينية فأشبه أنه منقول إلى العربية من العبرانية وقد تقدم عند قوله تعالى ( ونحن نسبح بحمدك ) في سورة البقرة .
A E وإذ عدي فعل الأمر بالتسبيح هنا إلى اسم فقد تعين أن المأمور به قول دال على تنزيه الله بطريقة إجراء الأخبار الطيبة أو التوصيف بالأوصاف المقدسة لإثباتها إلى ما يدل على ذاته تعالى من الأسماء والمعاني ولما كان أقوالا كانت متعلقة باسم الله باعتبار دلالته على الذات فالمأمور به إجراء الأخبار الشريفة والصفات الرفيعة على الأسماء الدالة على الله تعالى من أعلام وصفات ونحوها وذلك آيل إلى تنزيه المسمى بتلك الأسماء . ولهذا يكثر في القرآن إناطة التسبيح بلفظ اسم الله نحو قوله ( فسبح باسم ربك العظيم ) وقد تقدم ذلك في مبحث الكلام على البسملة في أول هذا التفسير