وبطش اله يشمل تعذيبه إياهم في جهنم ويشمل ما قبله مما يقع في الآخرة وما يقع في الدنيا قال تعالى ( يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) ووجه الخطاب للنبي A لأن بطش الله بالذين فتنوا المؤمنين فيه نصر للنبي A وتثبيت له .
( إنه هو يبدئ ويعيد [ 13 ] ) تصلح لأن تكون استئنافا ابتدائيا انتقل به من وعيدهم بعذاب الآخرة إلى توعدهم بعذاب في الدنيا يكون من بطش الله أردف به وعيد عذاب الآخرة لأنه أوقع في قلوب المشركين إذ هم يحسبون أنهم في أمن من العقاب إذ هم لا يصدقون بالبعث فحسبوا أنهم فازوا بطيب الحياة الدنيا .
والمعنى : أن الله يبطش بهم في البدء والعود أي في الدنيا والآخرة .
وتصلح لأن تكون تعليلا لجملة ( إن بطش ربك لشديد ) لأن الذي يبدئ ويعيد قادر على إيقاع البطش الشديد في الدنيا وهو الإبداء وفي الآخرة إعادة البطش .
وتصلح لأن تكون إدماجا للاستدلال على إمكان البعث أي أن الله يبدئ الخلق ثم يعيده فيكون كقوله تعالى ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) .
والبطش : الأخذ بعنف وشدة ويستعار للعقاب الم } لم الشديد كما هنا .
ويبدئ : مرادف يبدأ يقال : بدأ وأبدأ . فليست همزة أبدأ للتعدية .
وحذف مفعولا الفعلين لقصد عموم تعلق الفعلين بكل ما يقع ابتداء ويعاد بعد ذلك فشمل بدأ الخلق وإعادته وهو البعث وشمل البطش الأول في الدنيا والبطش في الآخرة وشمل إيجاد الأجيال وإخلافها بعد هلاك أوائلها . وفي هذه الاعتبارات من التهديد للمشركين محامل كثيرة .
وضمير الفصل في قوله ( وهو يبدئ ) للتقوي أي لتحقيق الخبر ولا موقع للقصر هنا . إذ ليس في المقام رد على من يدعي أن غير الله يبدئ ويعيد . وقد تقدم عند قوله تعالى ( وأولئك هم المفلحون ) في سورة البقرة أن ضمير الفصل يليه الفعل المضارع على قول المازني وهو التحقيق . ودليله قوله ( ومكر أولئك هو يبور ) وقد تقدم في سورة فاطر .
( وهو الغفور الودود [ 14 ] ذو العرش المجيد [ 15 ] فعال لما يريد [ 16 ] ) جملة معطوفة على جملة ( إن بطش ربك لشديد ) ومضمونها قسيم لمضمون ( إن بطش ربك لشديد ) . لأنه لما أفيد تعليل مضمون جملة ( إن الذين فتنوا المؤمنين ) إلى آخره ناسب أن يقابل بتعليل مضمون جملة ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات ) إلى آخره فعلل بقوله ( وهو الغفور الودود ) فهو يغفر للذين تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات ما فرط منهم وهو يحب التوابين ويودهم .
والودود : فعول بمعنى فاعل مشتق من الود وهو المحبة فمعنى الودود : المحب وهو من أسمائه تعالى أي إنه يحب مخلوقاته ما لم يحيدوا عن وصايته . والمحبة التي يوصف الله بها مستعملة في لازم المحبة في اللغة تقريبا للمعنى المتعالي عن الكيف وهو من معنى الرحمة وقد تقدم عند قوله تعالى ( إن ربي رحيم ودود ) في آخر سورة هود .
A E ولما ذكر الله من صفاته ما تعلقه بمخلوقاته بحسب ما يستأهلونه من جزاء أعقب ذلك بصفاته الذاتية على وجه الاستطراد والتكملة بقوله ( ذو العرش المجيد ) تنبيها للعباد إلى وجوب عبادته لاستحقاقه العبادة لجلاله كما يعبدونه لاتقاء عقابه ورجاء نواله .
والعرش : اسم لعالم يحيط بجميع السماوات سمي عرشا لأنه دال على عظمة الله تعالى كما يدل العرش على أن صاحبه من الملوك .
والمجيد : العظيم القوي في نوعه ومن أمثالهم في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وهما شجران يكثر قدح النار من زندهما .
وقرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر رابع عن ضمير الجلالة . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بالجر نعتا للعرش فوصف العرش بالمجد كناية عن مجد صاحب العرش .
ثم ذيل ذلك بصفة جامعة لعظمته الذاتية وعظمة نعمه بقوله ( فعال لما يريد ) أي إذا تعلقت إرادته بفعل فعله على أكمل ما تعلقت به إرادته لا ينقصه شيء ولا يبطيء به ما أراد تعجيله . فصيغة المبالغة في قوله ( فعال ) للدلالة على الكثرة في الكمية والكيفية .
والإرادة هنا هي المعرفة عندنا بأنها صفة تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه وهي غير الإرادة بمعنى المحبة مثل ( يريد الله بكم اليسر ) .
( هل أتاك حديث الجنود [ 17 ] فرعون وثمود [ 18 ] )