وقد عد من الذين فتنوا المؤمنين أبو جهل رأس الفتنة ومسعرها وأمية بن خلف وصفوان بن أمية والأسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة وأم أنمار ورجل من بني تيم .
والمفتنون : عد منهم بلال بن رباح كان عبدا لأمية بن خلف فكان يعذبه وأبو فكيهة كان عبدا لصفوان بن أمية وخباب بن الأرت كان عبد لأم أنمار وعمار بن ياسر وأبوه ياسر وأخوه عبد الله كانوا عبيدا لأبي حذيفة بن المغيرة فوكل بهم أبا جهل وعامر بن فهيرة كان عبدا لرجل من بني تيم .
والمؤمنات المفتونات منهن : حمامة أم بلال أمة أمية بن خلف . وزنيرة وأم عنيس كانت أمة للأسود بن عبد يغوث والنهدية وابنتها كانتا للوليد بن المغيرة ولطيفة ولبينة بنت فهيرة كانت لعمر بن الخطاب قبل أن يسلم كان عمر يضربها وسمية أم عمار بن ياسر كانت لعم أبي جهل .
وفتن ورجع إلى الشرك الحارث بن ربيعة بن الأسود وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وعلي بن أمية بن خلف والعاصي بن المنبه بن الحجاج .
وعطف ( المؤمنات ) للتنويه بشأنهن لئلا يظن أن هذه المزية خاصة بالرجال ولزيادة تفظيع فعل الفاتنين بأنهم اعتدوا على النساء والشأن أن لا يعترض لهن بالغلظة .
وجملة ( ثم لم يتوبوا ) معترضة . و ( ثم ) فيها للتراخي الرتبي لأن الاستمرار على الكفر أعظم من فتنة المؤمنين .
وفيه تعريض للمشركين بأنهم إن تابوا وآمنوا سلموا من عذاب جهنم .
والفتن : المعامة بالشدة والإيقاع في العناء الذي لا يجد منه مخلصا إلا بعناء أو ضر أخف أو حيلة وتقدم عند قوله تعالى ( والفتنة أشد من القتل ) في سورة البقرة .
ودخول الفاء في خبر ( أن ) من قوله ( فلهم عذاب جهنم ) لأن اسم ( إن ) وقع موصولا والموصول يضمن معنى الشرط في الاستعمال كثيرا . فتقدير : إن الذين فتنوا المؤمنين ثم إن لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم لأن عطف قوله ( ثم لم يتوبوا ) مقصود به معنى التقييد فهو كالشرط .
وجملة ( ولهم عذاب الحريق ) عطف في معنى التوكيد اللفظي في جملة ( لهم عذاب جهنم ) . واقترانها بواو العطف للمبالغة في التأكيد بإيهام أن من يريد زيادة تهديدهم بوعيد آخر فلا يوجد أعظم من الوعيد الأول . مع ما بين عذاب جهنم وعذاب الحريق من اختلاف في المدول وإن كان مآل المدلولين واحدا . وهذا ضرب من المغايرة يحسن عطف التأكيد .
على أن الزج بهم في جهنم عذاب قبل أن يذوقوا عذاب حريقها لما فيه من الخزي والدفع بهم في طريقهم قال تعالى ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) فحصل بذلك اختلاف ما بين الجملتين .
ويجوز أن يراد بالثاني مضاعفة العذاب لهم كقوله تعالى ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ) .
ويجوز أن يراد بعذاب الحريق حريق بغير جهنم وهو ما يضرم عليهم من نار تعذيب قبل يوم الحساب كما جاء في الحديث " القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة " رواه البيهقي في سننه عن ابن عمر .
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنت تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير [ 11 ] ) A E يجوز أن يكون استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله ( ثم لم يتوبوا ) المقتضى أنهم إن تابوا لم يكن لهم عذاب جهنم فيتشوف السامع إلى معرفة حالهم أمقصورة على السلامة من عذاب جهنم أو هي فوق ذلك فأخبر بأن لهم جنات فإن التوبة الإيمان فلذلك جيء بصلة ( آمنوا ) دون : تابوا ليدل على أن الإيمان والعمل الصالح هو التوبة من الشرك الباعث على فتن المؤمنين وهذا الاستئناف وقع معترضا .
ويجوز أن يكون اعتراضا بين جملة ( إن الذين فتنوا المؤمنين ) وجملة ( إن بطش ربك لشديد ) اعتراضا بالبشارة في خلال الإنذار لترغيب المنذرين في الإيمان ولتثبيت المؤمنين على ما يلاقونه من أذى المشركين على عادة القرآن في إرداف الإرهاب بالترغيب .
والتأكيد ب ( إن ) للاهتمام بالخبر .
والإشارة في ( ذلك ) إلى المذكور من اختصاصهم بالجنات والأنهار .
و ( الكبير ) : مستعار للشديد في بابه والفوز : مصدر .
( إن بطش ربك لشديد [ 12 ] ) وجملة ( إن بطش ربك لشديد ) علة لمضمون قوله ( إن الذين فتنوا المؤمنين ) إلى قوله ( ولهم عذاب الحريق ) أي لأن بطش الله شديد على الذين فتنوا الذين آمنوا به . فموقع ( إن ) في التعليل يغني عن فاء التسبب