وضمير ( يفعلون ) يجوز أن يعود إلى ( أصحاب الأخدود ) فمعنى كونهم شهودا على ما يفعلونه : أن بعضهم يشهد لبعض عند الملك بأن أحدا لم يفرط فيما وكل به من تحريق المؤمنين فضمائر الجميع وصيغته موزعة .
ويجوز أن يعود الضمير إلى ما تقتضيه دلالة الاقتضاء من تقسيم أصحاب الأخدود إلى أمراء ومأمورين شأن الأعمال العظيمة فلما أخبر عن أصحاب الأخدود بأنهم قعود على النار علم أنهم الموكلون بمراقبة العمال . فعلم أن لهم أتباعا من سعارين ووزع فهم معاد ضمير يفعلون .
وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون شهود جمع شاهد بمعنى مخبر بحق وأن يكون بمعنى حاضر ومراقب لظهور أن أحدا لا يشهد على فعل نفسه .
وجملة ( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) في موضع الحال من ضمير ( إذ هم عليها قعود ) كأنه قيل : قعود شاهدين على فعلهم بالمؤمنين على الوجهين المتقدمين في معاد ضمير ( يفعلون ) وفائدة هذه الحال تفظيع ذلك القعود وتعظيم جرمه إذ كانوا يشاهدون تعذيب المؤمنين لا يرأفون في ذلك ولا يشمئزون وبذلك فارق مضمون هذه الجملة مضمون جملة ( إذ هم عليها قعود ) باعتبار تعلق قوله ( بالمؤمنين شهود ) .
وفي الإتيان بالموصول في قوله ( ما يفعلون بالمؤمنين ) من الإبهام ما يفيد أن لموقدي النار من الوزعة والعمل ومن يباشرون إلقاء المؤمنين فيها غلظة وقسوة في تعذيب المؤمنين وإهانتهم والتمثيل بهم وذلك زائد على الإحراق .
وجملة ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله ) في موضع الحال والواو واو الحال أو عاطفة على الحال التي قبلها .
والمقصود التعجيب من ظلم أهل الأخدود أنهم يأتون بمثل هذه الفظاعة لا لجرم في شأنه أن ينقم من فاعله فإن كان الذين خددوا الأخدود يهودا كما كان غالب أهل اليمن يومئذ فالكلام من تأكيد الشيء بما يشبه ضده أي ما نقموا منهم شيء ينقم بل لأنهم آمنوا بالله وحده كما آمن به الذين عذبوهم . ومحل التعجيب أن الملك ذا نواس وأهل اليمن كانوا متهودين فهم يؤمنون بالله وحده ولا يشركون به فكيف يعذبون قوما آمنوا بالله وحده مثلهم وهذا مثل قوله تعالى ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) وإن كان الذين خددوا الأخدود مشركين " فإن عرب اليمن بقي فيهم من يعبد الشمس " فليس الاستثناء من تأكيد الشيء بما يشبه ضده لأن شأن تأكيد الشيء بما يشبه ضده أن يكون ما يشبه ضد المقصود هو في الواقع من نوع المقصود فلذلك يؤكد به المقصود وما هنا ليس كذلك لأن الملك وجنده نقموا منهم الإيمان بالله حقيقة إن كان الملك مشركا .
وإجراء الصفات الثلاث على اسم الجلالة وهي : ( العزيز . الحميد . الذي له ملك السماوات والأرض ) لزيادة تقرير أن ما نقموه منهم ليس من شأنه أن ينقم بل هو حقيق بأن يمدحوا به لأنهم آمنوا برب حقيق بأن يؤمن به لأجل صفاته التي تقتضي عبادته ونبذ ما عداه لأنه ينصر مواليه ويثيبهم ولأنه يملكهم وما عداه ضعيف العزة لا يضر ولا ينفع ولا يملك منهم شيئا فيقوى التعجيب منهم بهذا .
وجملة ( والله على كل شيء شهيد ) تذييل بوعيد للذين أتخذوا الأخدود وبوعد الذين عذبوا في جنب الله ووعيد لأمثال أولئك من كفار قريش وغيرهم من كل من تصدوا لأذى المؤمنين ووعد المسلمين الذين عذبهم المشركون مثل بلال وعمار وصهيب وسمية .
A E ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق [ 10 ] ) إن كان هذا جوابا للقسم على بعض المفسرين كما تقدم كان ما بين القسم وما بين هذا كلاما معترضا يقصد منه التوطئة لوعيدهم بالعذاب والهلاك بذكر ما توعد به نظيرهم وإن كان الجواب في قوله ( قتل أصحاب الأخدود ) كان قوله ( إن الذين فتنوا المؤمنين ) بمنزلة الفذلكة لما أقسم عليه إذ المقصود بالقسم وما أقسم عليه هو تهديد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من مشركي قريش .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) للرد على المشركين الذين ينكرون أن تكون عليهم تبعة من فتن المؤمنين .
والذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات : هم مشركو قريش وليس المراد أصحاب الأخدود لأنه لا يلاقي قوله ( ثم لم يتوبوا ) إذ هو تعريض بالترغيب في التوبة ولا يلاقي دخول الفاء في خبر ( إن ) من قوله ( فلهم عذاب جهنم ) كما سيأتي