وقوله ( إنه كان في أهله مسرورا ) مستعمل في التعجيب من حالهم كيف انقلبت من ذلك السرور الذي كان لهم في الحياة الدنيا المعروف من أحوالهم بما حكي في آيات كثيرة مثل قوله ( أولي النعمة ) وقوله ( وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين ) فآلوا إلى ألم النار في الآخرة حتى دعوا بالثبور .
وتأكيد الخبر من شأن الأخبار المستعملة في التعجيب كقول عمر لحذيفة بن اليمان " إنك عليه لجريء " أي على النبي A .
وهذه الجملة معترضة .
وموقع جملة ( إنه ظن أن لن يحور ) موقع التعليل لمضمون جملة ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ) إلى آخرها .
وحرف ( أن ) فيها مغن عن فاء التعليل فالمعنى : يصلى سعيرا لأنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع إلى الحياة بعد الموت أي لأنه يكذب بالبعث يقال : حار يحور إذا رجع إلى المكان الذي كان فيه ثم أطلق إلى الرجوع إلى حالة كان فيها بعد أن فارقها وهو المراد هنا وهو من المجاز الشائع في إطلاق الرجوع عليه في قوله ( ثم إلينا مرجعكم ) وقوله ( أنه على رجعه لقادر ) وسمي يوم البعث يوم المعاد .
وجيء بحرف ( لن ) الدال على تأكيد النفي وتأييده لحكاية جزمهم وقطعهم بنفيه .
وحرف ( بلى ) يجاب به الكلام المنفي لإبطال نفيه وأكثر وقوعه بعد الاستفهام عن النفي نحو ( ألست بربكم قالوا بلى ) ويقع بعد غير الاستفهام أيضا نحو قوله تعالى ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثون ) .
وموقع ( بلى ) الاستفهام كأحرف الجواب .
وجملة ( إن ربه كان به بصيرا ) مبينة للإبطال الذي أفاده حرف ( بلى ) على وجه الإجمال يعني أن ظنه باطل لأن ربه أنبأه بأنه يبعث .
والمعنى : إن ربه عليم بمآله . وتأكيد ذلك بحرف ( إن ) لرده إنكاره البعث الذي أخبر الله به على لسان رسوله A فآل المعنى الحاصل من حرف الإبطال ومن حرف التأكيد إلى معنى : أن ربه بصير به وأما هو فغير بصير بحاله كقوله ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .
وتعدية ( بصيرا ) بالباء لأنه من بصر القاصر بضم الصاد به إذا رآه رؤية محققة فالباء فيه معناها الملابسة أو الإلصاق .
وفيه إشارة إلى حكمة البعث للجزاء لأن رب الناس عليم بأحوالهم فمنهم المصلح ومنهم المفسد والكل متفاوتون في ذلك فليس من الحكمة أن يذهب المفسد بفساده وما ألحقه بالموجودات من مضار وأن يهمل صلاح المصلح فجعل الله الحياة الأبدية وجعلها للجزاء على ما قدم صاحبها في حياته الأولى .
وأطلق البصر هنا على العلم التام بالشيء .
وعلق وصف ( بصير ) بضمير الإنسان الذي ظن أن لن يحور والمراد : العلم بأحواله لا بذاته .
A E وتقديم المجرور على متعلقة للاهتمام بهذا المجرور أي بصير به لا محالة مع مراعاة الفواصل .
( فلا أقسم بالشفق [ 16 ] والليل وما وسق [ 17 ] والقمر إذا اتسق [ 18 ] لتركبن طبقا عن طبق [ 19 ] ) الفاء لتفريع القسم وجوابه على التفصيل الذي في قوله ( فأما من أوتي كتابه بيمينه ) إلى هنا : فإنه اقتضى أن ثمة حسابا وجزاء بخير وشر فكان هذا التفريع فذلكة وحوصلة لما فصل من الأحوال وكان أيضا جمعا إجماليا لما يعترض في ذلك من الأهوال .
وتقدم أن ( لا أقسم ) يراد منه أقسم وتقدم وجه القسم بهذه الأحوال ومخلوقات عند قوله ( فلا أقسم بالخنس ) في سورة التكوير .
ومناسبة الأمور المقسم بها هنا للمقسم عليه لأن الشفق والليل والقمر تخالط أحوالا بين الظلمة وظهور النور معها أو في خلالها وذلك مناسب لما في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) من تفاوت الأحوال التي يتخبط فيها الناس يوم القيامة أو في حياتهم الدنيا أو من ظهور أحوال خير في خلال أحوال شر أو انتظار تغير الأحوال إلى ما يرضيهم إن كان الخطاب للمسلمين خاصة كما سيأتي .
ولعل ذكر الشفق إيماء إلى أنه يشبه حالة انتهاء الدنيا لأن غروب الشمس مثل حالة الموت وأن ذكر الليل إيماء إلى شدة الهول يوم الحساب وذكر القمر إيماء إلى حصول الرحمة للمؤمنين .
والشفق : اسم للحمرة التي تظهر في أفق مغرب الشمس اثر غروبها وهو ضياء من شعاع الشمس إذا حجبها عن عيون الناس بعض جرم الأرض واختلف في تسمية البياض الذي يكون عقب الاحمرار شفقا .
و ( ما وسق ) ( ما ) فيه مصدرية ويجوز أن يكون موصولة على طريقة حذف العائد المنصوب