ويجوز أن تكون جملة ( شاء ) صفة ل ( صورة ) والرابط محذوف و ( ما ) مزيدة للتأكيد والتقدير : في سورة عظيمة شاءها مشيئة معينة أي عن تدبير وتقدير .
( كلا بل تكذبون بالدين [ 9 ] ) ( كلا ) ردع عما هو غرور بالله أو بالغرور مما تضمنه قوله ( ما غرك بربك ) من حصول ما يغر الإنسان بالشرك ومن إعراضه عن نعم الله تعالى بالكفر أو من كون حالة المشرك كحالة المغرور كما تقدم من الوجهين في الإنكار المستفاد من قوله ( ما غرك بربك الكريم ) .
والمعنى : إشراكك بخالقك باطل وهو غرور أو كالغرور .
ويكون قوله بعده ( بل تكذبون بالدين ) إضرابا انتقاليا من غرض التوبيخ والزجر على الكفر إلى ذكر جرم فظيع آخر وهو التكذيب بالبعث والجزاء ويشمله التوبيخ بالزجر بسبب أنه معطوف على توبيخ وزجر لأن ( بل ) لا تخرج عن معنى العطف أي العطف في الغرض لا في نسبة الحكم . ولذلك يتبع المعطوف بها المفرد في إعراب المعطوف عليه فيقول النحويون : إنها تتبع في اللفظ لا في الحكم أي هو اتباع مناسبة في الغرض لا في اتباع في النسبة .
ويجوز أن يكون ( كلا ) إبطالا لوجود ما يغر الإنسان أن يشرك بالله أي لا عذر للإنسان في الإشراك بالله إذ لا يوجد ما يغره به .
ويكون قوله ( بل تكذبون ) إضرابا إبطاليا وما بعد ( بل ) بيانا لما جرأهم على الإشراك وإنه ليس غرورا إذ لا شبهة لهم في الإشراك حتى تكون الشبهة كالغرور ولكنهم أصروا على الإشراك لأنهم حبسوا أنفسهم في مأمن من تبعته فاختاروا الاستمرار عليه لأنه هوى أنفسهم ولم يعبأوا بأنه باطل صراح فهم يكذبون بالجزاء فلذلك سبب تصميم جميعهم على الشك مع تفاوت مداركهم التي لا يخفى على بعضها بطلان كون الحجارة آلهة ألا ترى أنهم ما كانوا يرون العذاب إلا عذاب الدنيا .
وعلى هذا الوجه يكون فيه إشارة إلى أن إنكار البعث هو جماع الإجرام ونظير هذا الوجه وقع في قوله تعالى ( فما لهم لا يؤمنون وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون ) في سورة الانشقاق .
وقرأ الجمهور ( تكذبون ) بتاء الخطاب . وقرأه أبو جعفر بياء الغيبة على الالتفات .
A E وفي صيغة المضارع من قوله ( تكذبون بالدين ) إفادة أن تكذيبهم بالجزاء متجدد لا يقلعون عنه وهو سبب استمرار كفرهم .
وفي المضارع أيضا استحضار حالة هذا التكذيب استحضارا يقتضي التعجيب من تكذيبهم لأن معهم من الدلائل ما لحقه أن يقلع تكذيبهم بالجزاء .
والدين : الجزاء .
( وإن عليكم لحافظين [ 10 ] كراما كاتبين [ 11 ] يعلمون ما تفعلون [ 12 ] ) عطف على جملة ( تكذبون بالدين ) تأكيدا لثبوت الجزاء على الأعمال .
وأكد الكلام بحرف ( إن ) ولام الابتداء لأنهم ينكرون ذلك إنكارا قويا .
و ( لحافظين ) صفة لمحذوف تقديره : لملائكة حافظين أي محصين غير مضيعين لشيء من أعمالكم .
وجميع الملائكة باعتبار التوزيع على الناس : وإنما لكل أحد ملكان قال تعالى ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وقد روي عن النبي A " أن لكل أحد ملكين يحفظان أعماله " وهذا بصريح معناه يفيد أيضا كفاية عن وقوع الجزاء إذ لولا الجزاء على الأعمال لكان الاعتناء بإحصائها عبثا .
وأجري على الملائكة الموكلين بإحصاء أعمالهم أربعة أوصاف هي : الحفظ والكرم والكتابة والعلم بما يعلمه الناس .
وابتدئ منها بوصف الحفظ لأنه الغرض الذي سبق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإحصاء وفيها تنويه بشأن الملائكة الحافظين .
فأما الحفظ : فهو هنا بمعنى الرعاية والمراقبة وهو بهذا المعنى يتعدى إلى المعمول بحرف الجر وهو ( على ) لتضمنه معنى المراقبة . والحفيظ : الرقيب قال تعالى ( والله حفيظ عليم ) .
وهذا الاستعمال هو عير استعمال الحفظ المعدى إلى المفعول بنفسه فإنه بمعنى الحراسة نحو قوله ( يحفظونه من أمر الله ) . فالحفظ بها الإطلاق جمع معنى الرعاية والقيام على ما يكون إلى الحفيظ والأمانة على ما يوكل إليه .
وحرف ( على ) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة .
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ) في سورة النمل