فالظاهر أن السماء تبقى منشقة منفطرة تعرج الملائكة بينها وبين أرض المحشر حتى يتم الحساب فإذا قضي الحساب أزيلت السماء من مكانها فالسماء مكشوطة والمكشوط عنه هو عالم الخلود ويكون ( كشطت ) إستعارة للإزالة .
ويجوز أن يكون هذا من الأحداث التي جعلت أشراطا للساعة وأخر ذكره لمناسبة ذكر نشر الصحف لأن الصحف تنشرها الملائكة وهم من أهل السماء فيكون هذا الكشط من قبيل الانشقاق في قوله تعالى ( إذا السماء انشقت ) والانفطار في قوله تعالى ( إذا السماء انفطرت ) إلى قوله ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) فيكون الكشط لبعض جزاء السماء والمكشوط عنه بعض آخر فيكون من قبيل قوله تعالى ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ومن قبيل الطي في قوله تعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده ) لأن ظاهره اتصال طي السماء بإعادة الخلق وتصير الأشراط التي تحصل قبل البعث سبعة والأحداث التي تقع بعد البعث خمسة .
والجحيم أصله : النار ذات الطبقات من الوقود من حطب ونحوه بعضها فوق بعض وصار علما بالغلبة على جهنم دار العذاب في الآخرة في اصطلاح القرآن . وتسعيرها أو إسعارها : إيقادها أي هيأت لعذاب من حق عليهم العذاب .
وقرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر ورويس عن يعقوب ( سعرت ) بتشديد العين مبالغ في الإسعار . وقرأه الباقون بالتخفيف .
وقوبلت بالجنة دار النعيم واسم الجنة علم بالغلبة على دار النعيم و ( أزلفت ) قربت والزلفى : القرب أي قربت الجنة من أهلها أي جعلت بالقرب من محشرهم بحيث لا تعب عليهم في الوصول إليها وذلك كرامة لهم .
وأعلم أن تقديم المسند إليه في الجمل الثنتى عشرة المفتتحات بكلمة ( إذا ) من قوله ( إذا الشمس كورت ) إلى هنا والإخبار عنه بالمسند الفعلي مع إمكان أن يقال : إذا كورت الشمس وإذا انكدرت النجوم وهكذا كما قال ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) إن ذلك التقديم لإفادة الاهتمام بتلك الأخبار المجعولة علامات ليوم البعث توسلا بالاهتمام بأشراطه إلى الاهتمام به وتحقيق وقوعه .
وإن إطالة ذكر تلك الجمل تشويق للجواب الواقع بعدها بقوله ( علمت نفس ما أحضرت ) .
وجملة ( علمت نفس ما أحضرت ) يتنازع التعلق به كلمات ( إذا ) المتكررة .
وعن عمر بن الخطاب " إنه قرأ أول هذه السورة فلما بلغ ( علمت نفس ما أحضرت ) قال : لهذا أجريت القصة " أي هو جواب القسم ومعنى ( علمت ) إنها تعلم بما أحضرت فتعلمه .
وقوله ( نفس ) نكرة في سياق الشرط مراد بها العموم أي علمت كل نفس ما أحضرت واستفادة العموم من النكرة في سياق الإثبات تحصل من القرينة الدالة على عدم القصد إلى واحد من الجنس والقرينة هنا وقوع لفظ نفس في جواب هذه الشروط التي لا يخطر بالبال أن تكون شروطا لشخص واحد وقد قال تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء ) .
والإحضار : جعل الشيء حاضرا .
ومعنى ( علمت نفس ما أحضرت ) حصول اليقين بما لم يكن لها من علم من حقائق الأعمال التي كان علمها بها أشتاتا : بعضه معلوم على غير وجهه وبعضه معلوم صورته مجهولة عواقبه وبعضه مغفول عنه . فنزل العلم الذي كان حاصلا للناس في الحياة الدنيا منزلة عدم العلم وأثبت العلم لهم في ذلك اليوم علم أعمالهم من خير أو شر فيعلم ما لم يكن له به علم مما يحقره من أعماله ويتذكر ما كان قد علمه من قبل وتذكر المنسي والمغفول عنه نوع من العلم .
وما أحضرته هو ما أسلفته من الأعمال . ولما كانت الأعمال تظهر آثارها من ثواب وعقاب يومئذ عبر عن ظهور آثارها بالإحضار لشببه به كما يحضر الزاد للمسافر ففي فعل ( أحضرت ) استعارة . ويطلق على ذلك الإعداد كقول النبي A للذي سأله متى الساعة " ماذا أعددت لها " .
وأسند الإحضار إلى النفوس لأنها الفاعلة للأعمال التي يظهر جزاؤها يومئذ فهذا الإسناد من إسناد فعل الشيء إلى سبب فعله فحصل هنا مجازان : مجاز لغوي ومجاز عقلي وحقيقتهما في قوله تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من شر ) .
A E