الثالث : ما نسبه إلى ابن عباس وهو يشير إلى ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده إلى عكرمة أنه قال : قال ابن عباس : أطفال المشركين في الجنة فمن زعم أنهم في النار فقد كذب بقول الله تعالى ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) . وقد أجيب عن القول المروي عن ابن عباس بأنه لم يبلغ مبلغ الصحة . وهذه مسألة من أصول الدين لا يكتفى فيها إلا بالدليل القاطع .
واعلم أن الأحاديث الصحيحة في حكم أطفال المشركين متعارضة فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وابن عباس أن رسول الله A سئل عن أولاد أو ذراري المشركين . فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين وهذا الجواب يحتمل الوقت عن الجواب أي الله أعلم بحالهم كقول موسى عليه السلام ( علمها عند ربي في كتاب ) جوابا لقول فرعون ( فما بال القرون الأولى ) . ويحتمل أن المعنى الله أعلم بحال كل واحد منهم لو كبر ماذا يكون عاملا من كفر أو إيمان أي فيعامله بما علم من حاله .
وأخرج البخاري ومسلم " ببعض اختلاف في اللفظ " عن أبي هريرة أن رسول الله A قال " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " الحديث . زاد في رواية مسلم ثم يقول " أي أبو هريرة إقرأوا ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) فيقتضي أنهم يولدون على فطرة الإسلام حتى يدخل عليه من أبويه أو قريبه أو قرينه ما يغيره عن ذلك وهذا أظهر ما يستدل به في هذه المسألة .
قال المازري في المعلم : فاضطرب العلماء فيهم . والأحاديث وردت ظواهرها مختلفة واختلاف هذه الظواهر سبب اضطراب العلماء في ذلك والقطع ههنا يبعد اه .
وقول أبي هريرة : وأقرأوا ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) الخ مصباح ينير وجه الجمع بين هذه الأخبار : وقد ورد في حديث الرؤيا عن سمرة بن جندب ما هو صريح في ذلك إذ قال رسول الله A " وأما الرجل الذي في الروضة فأنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة . قال سمرة فقال بعض المسلمين : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله A وأولاد المشركين " . واختلفت أقوال العلماء في أولاد المشركين فقال ابن المبارك وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وإسحاق بن راهويه والشافعي هم في مشيئة الله . والصحيح الذي عليه المحققون والجمهور أنهم في الجنة وهو ظاهر قول أبي هريرة . وذهب الأزارقة إلى أن أولاد المشركين تبع لآبائهم وقال أبو عبيد سألت محمد بن الحسن عن حديث " كل مولود يولد على الفطرة " فقال كان ذلك أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل أن يفرض الجهاد . قال أبو عبيد : كأنه يعني أنه لو ولد على الفطرة لم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران فلما فرضت الفرائض على خلاف ذلك جاز أن يسمى كافرا وعلم أنه يولد على دينهما .
وهنالك أقوال أخرى كثيرة غيرة معزوة إلى معين ولا مستندة لأثر صحيح .
وذكر المازري : أن أطفال الأنبياء في الجنة بإجماع وأن جمهور العلماء على أن أطفال بقية المؤمنين في الجنة وبعض العلماء وقف فيهم وقال النووي : أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة .
وقرأ الجمهور ( قتلت ) بتخفيف المثناة الأولى وقرأه أبو جعفر بتشديدها وهي تفيد معنى أنه قتل شديد فضيع .
ونشر الصحف حقيقته : فتح طيات الصحيفة أو إطلاق التفافها لتقرأ كتابتها وتقدم في قوله ( أن يؤتى صحفا منشرة ) في سورة المدثر وعند قوله ( كتابا يلقاه منشورا ) في سورة الإسراء .
والمراد : صحف الأعمال وهي إما صحف حقيقية مخالفة للصحف المألوفة وإما مجازية أطلقت على أشياء فيها إحصاء أعمال الناس وقد تقدم غير مرة .
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب ( نشرت ) بتخفيف الشين . وقرأه الجمهور بتشديد الشين للتكثير لكثرة الصحف المنشورة .
والكشط : إزالة الإهاب عن الحيوان الميت وهو أعم من السلخ لأن السلخ لا يقال إلا في إزالة أهاب البقر والغنم دون إزالة إهاب الإبل فإنه كشط ولا يقال سلخ والظاهر أن المراد إزالة تقع في يوم القيانة لأنها ذكرت في أثناء أحداث يوم القيامة بعد قوله ( وإذا النفوس زوجت وإذا الموءودة سئلت ) وقوله ( وإذا الصحف نشرت ) .
A E