إما مفرع على قوله ( لما يقض ما أمره ) فيكون مما أمره الله به من النظر وإما على قوله ( ما أكفره ) فيكون هذا النظر مما يبطل ويزيل شدة كفر الإنسان . والفاء مع كونها للتفريع تفيد معنى الفصيحة إذ التقدير : إن أراد أن يقضي ما أمره فلينظر إلى طعامه أو إن أراد نقض كفره فلينظر إلى طعامه . وهذا نظير الفاء في قوله تعالى ( إن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان مم خلق ) أي إن أراد الإنسان الخلاص من تبعات ما يكتبه عليه الحافظ فلينظر مم خلق ليهتدي بالنظر فيؤمن فينجو .
وهذا استدلال آخر على تقريب كيفية البعث انتقل إليه في معرض الإرشاد إلى تدارك الإنسان ما أهمله وكان الانتقال من الاستدلال بما في خلق الإنسان من بديع الصنع من دلائل قائمة بنفسه في آية ( من أي شيء خلقه ) إلى الاستدلال بأحوال موجودة في بعض الكائنات شديدة الملازمة لحياة الإنسان ترسيخا للاستدلال وتفننا فيه وتعريضا بالمنة على الإنسان في هذه الدلائل ومن نعمة النبات الذي به بقاء حياة الإنسان وحياة ما ينفعه من الأنعام .
وتعدية فعل النظر هنا بحرف ( إلى ) تدل على أنه من نظر العين إشارة إلى أن العبرة تحصل بمجرد النظر في أطواره . والمقصود التدبر فيما يشاهده الإنسان من أحوال طعامه بالاستدلال بها على إيجاد الموجودات من الأرض . وجعل المنظور إليه ذات الطعام مع أن المراد النظر إلى أسباب تكونه وأحوال تطوره إلى حالة انتفاع الإنسان به وانتفاع أنعام الناس به .
وذلك من أسلوب إناطة الأحكام بأسماء الذوات والمراد أحوالها مثل قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة ) أي أكلها فأمر الله الإنسان بالتفكير في أطوار تكون الحبوب والثمار التي بها طعامه وقد وصف له تطور ذلك ليتأمل ما أودع إليه في ذلك من بديع التكوين سواء رأى ذلك ببصره أم لم يره ولا يخلو أحد عن علم إجمالي بذلك فيزيده هذا الوصف علما تفصيليا وفي جميع تلك الأطوار تمثيل لإحياء الأجساد المستقرة في الأرض فقد يكون هذا التمثيل في مجرد الهيئة الحاصلة بإحياء الأجساد وقد يكون تمثيلا في جميع تلك الأطوار بأن تخرج الأجساد من الأرض كخروج النبات بأن يكون بذرها في الأرض ويرسل الله لها قوى لا نعلمها تشابه قوة الماء الذي به تحيا بذور النبات قال تعالى ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) .
وفي تفسير ابن كثير عند قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) عن ابن حاتم بسنده إلى ابن عباس " يسيل واد من أصل العرش فيما بين الصيحتين فينبت منه كل خلق بلي إنسان أو دابة ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم قد نبتوا على وجه الأرض ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد " اه . وأمور الآخرة لا تتصورها الأفهام بالكنه وإنما يجزم العقل بأنها من الممكنات وهي مطيعة لتعلق القدرة التنجيزي .
والإنسان المذكور هنا هو الإنسان المذكور في قوله ( قتل الإنسان ما أكفره ) وإنما جيء باسمه الظاهر دون الضمير كما في قوله ( من أي شيء خلقه ) لأن ذلك قريب من معاده وما هنا ابتداء كلام فعبر فيه بالاسم الظاهر للإيضاح .
وأدمج في ذلك منه عليه بالإمداد بالغذاء الذي به غخلاف ما يضمحل من قوته بسبب جهود العقل والتفكير الطبيعية التي لا يشعر بحصولها في داخل المزاج وبسبب كد الأعمال البدنية والإفرازات وتلك أسباب لتبخر القوى البدنية فيحتاج المزاج إلى تعويضها وإخلافها وذلك بالطعام والشراب .
وإنما تعلق النظر بالنظر مع أن الاستدلال هو بأحوال تكوين الطعام إجراء للكلام على الإيجاز ويبينه ما في الجمل بعده من قوله ( إنا صببنا الماء صبا ) إلى آخرها .
فالتقدير : فلينظر الإنسان إلى خلق طعامه وتهيئة الما لإنمائه وشق الأرض وإنباته وإلى انتفاعه به وانتفاع مواشيه في بقاء حياتهم .
A E وقرأ الجمهور ( إنا صببنا ) بكسر همزة ( انا ) على أن الجملة بيان لجملة ( فلينظر الإنسان إلى طعامه ) لتفصيل ما اجمل هنالك على وجه الإيجاز . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب بفتح الهمزة على أنه اسم بدل اشتمال من ( طعامه ) أو البدل الذي يسميه بعض النحويين بدل مفصل من مجمل