فمنهم من يجعل الردع متوجها إلى ما قبل ( كلا ) مما يوميء إليه قوله تعالى ( ثم إذا شاء أنشره ) أي إذا شاء الله إذ يوميء إلى أن الكافر ينكر أن ينشره الله ويعتل بأنه لم ينشر أحد منذ القدم إلى الآن . وهذا الوجه هو الجاري على قول البصريين كما تقدم .
وموقع ( كلا ) على هذا التأويل موقع الجواب والإبطال وموقع جملة ( لما يقض ما أمره ) موقع العلة للإبطال أي لو قضى ما أمره الله به لعلم بطلان زعمه أنه لا ينشر .
وتأوله في الكشاف بأنه " ردع للإنسان عما هو عليه " أي مما ذكر قبله من شدة كفره واسترساله عليه دون إقلاع يريد أنه زجر غير مضمون ( ما أكفره ) .
ومنهم من جعل الردع متوجها إلى ما بعد ( كلا ) مما يوميء إليه قوله تعالى ( لما يقض ما أمره ) أي ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله الذي نبهه إليه بدعوة الرسل وبإيداع قوة التفكير فيه ويتسروح هذا من كلام روي عن مجاهد وهو أقرب لأن ما بعد ( كلا ) لما كان نفيا ناسب أن يجعل ( كلا ) تمهيدا للنفي .
وموقع ( كلا ) على هذا الوجه أنها جزء من استئناف .
وموقع جملة ( لما يقض ما أمره ) استئناف بياني نشأ عن مضمون جملة ( من أي شيء خلقه ) إلى قوله ( أنشره ) أي إنما لا يهتد الكافر إلى دلالة الخلق الأول على إمكان الخلق الثاني لأنه لم يقض حق النظر الذي أمره الله .
وأما الذين لم يلتزموا معنى الزجر في ( كلا ) وهم الكسائي القائل تكون ( كلا ) بمعنى حقا ووافقه ثعلب وأبو حاتم السجستاني القائل تكون ( كلا ) بمعنى ( ألا ) الاستفتاحية .
والنضر بن شميل والفراء القائلان : تكون ( كلا ) حرف جواب بمعنى نعم .
فهؤلاء تأويل الكلام على رأيهم ظاهر .
وعن الفراء ( كلا ) تكون صلة " هي حرفا زائدا للتأكيد " كقولك : كلا ورب الكعبة اه . وهذا وجه إليه ولا يتأتى في هذه الآية .
فالوجه في موقع ( كلا ) هنا أنه يجوز أن تكون زجرا عما يفهم من قوله ( ثم إذا شاء أنشره ) المكنى به عن فساد استدلالهم بتأخيره على أنه لا يقع فيكون الكلام على هذا تأكيدا للإبطال الذي في قوله ( كلا إنها تذكرة ) باعتبار معناه الكنائي إن كان صريح معناه غير باطل فقوله ( إذا شاء ) مؤذن بأنه الآن لم يشأ وذلك مؤذ بإبطال أن يقع البعث عندما يسألون وقوعه أي أنا لا نشاء انشارهم الآن وإنما ننشرهم عندما نشاء مما قدرنا أجله عند خلق العالم الأرضي .
وتكون جملة ( لما يقض ما أمره ) تعليلا للردع أي الإنسان لم يستتم ما أجل الله لبقاء نوعه في هذا العالم من يوم تكوينه فلذلك لا ينشر الآن ويكون المراد بالأمر في قوله ( ما أمره ) أمر التكوين أي لم يستتم ما صدر به أمر تكوينه حين قيل لآدم ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) .
ويجوز أن يكون زجرا عما أفاده قوله ( لما يقض ما أمره ) وقدمت ( كلا ) في صدر الكلام الواردة لإبطاله للاهتمام بمبادرة الزجر .
وتقدم الكلام على ( كلا ) في سورة مريم وأحلت هنالك على ما هذا .
و ( لما ) حرف نفي يدل على نفي الفعل في الماضي مثل ( لم ) ويزيد بالدلالة على استمرار النفي إلى وقت التكلم كقوله تعالى ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) .
والمقصود أنه مستمر على عدم قضاء ما أمره الله مما دعاه إليه .
والقضاء : فعل ما يجب على الإنسان كاملا لأن أصل القضاء مشتق من الإتمام فتضمن فعلا تاما أي لم يزل الإنسان الكافر معرضا عن الإيمان الذي أمره الله به وعن النظر في خلقه من نطفة ثم تطور أطوارا إلى الموت قال تعالى ( فلينظر الإنسان مم خلق ) وما أمره من التدبر في القرآن ودلائله ومن إعمال عقله في الاستدلال على وحدانية الله تعالى ونفي الشرك عنه . ومن الدلائل نظره في كيفية خلقه فإنها دلائل قائمة بذاته فاستحق الردع والزجر .
A E والضمير المستتر في ( أمره ) عائد إلى ما عادت عليه الضمائر المستترة في " خلقه وقدره وأماته وأقبره وأنشره " ( فلينظر الإنسان إلى طعامه [ 24 ] إنا صببنا الماء صبا [ 25 ] ثم شققنا الأرض شقا [ 26 ] فأنبتنا فيها حبا [ 27 ] وعنبا وقضبا [ 28 ] وزيتونا ونخلا [ 29 ] وحدائق غلبا [ 30 ] وفاكهة وأبا [ 31 ] متعا لكم ولأنعامكم [ 32 ] )