والمعنى : انظر فقد يكون تزكيه مرجوا أي إذا أقبلت عليه بالإرشاد زاد الإيمان رسوخا في نفسه وفعل خيرات كثيرة مما ترشده إليه فزاد تزكيه فالمراد ب ( يتزكى ) تزكية زائدة على تزكية الإيمان بالتملي بفضائل شرائعه ومكارم أخلاقه مما يفيضه هديك عليه كما قال النبي A " لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة " إذ الهدى الذي يزداد به المؤمنون رفعة وكمالا في درجات الإيمان هو كاهتداء الكافر إلى الأيمان لا سيما إذ الغاية من الاهتداءين واحدة .
و ( يزكى ) أصله : يتزكى قلبت التاء زايا لتقارب مخرجيهما قصدل ليتأنى الإدغام وكذلك فعل في ( يذكر ) من الإدغام .
والتزكي : مطاوع زكاه أي يحصل أثر التزكية في نفسه . وتقدم في سورة النازعات .
وجملة ( أو يذكر ) عطف على يزكى أي ما يدريك أن يحصل أحد الأمرين وكلاهما مهم أي تحصل الذكرى في نفسه بالإرشاد لما لم يكن يعلمه أو تذكر لما كان في غفلة عنه .
والذكرى : اسم مصدر التذكير .
وفي قوله تعالى ( فتنفعه الذكرى ) اكتفاء عن أن يقول : فينفعه التزكي وتنفعه الذكرى لظهور أن كليهما نفع له .
والذكرى : هو القرآن لأنه يذكر الناس بما يغفلون عنه قال تعالى ( وما هو إلا ذكر للعالمين ) فقد كان فيما سأل عنه ابن أم مكتوم آيات من القرآن .
وقرأ الجمهور ( فتنفعه ) بالرفع عطفا على ( يذكر ) . وقرأه عاصم بالنصب في جواب ( لعله يزكى ) .
( أما من استغنى فأنت له تصدى [ 6 ] ) تقدم الكلام على ( أما ) في سورة النازعات أنها بمعنى : مهما يكن شيء فقوله ( أما من استغنى ) تفسيره مهما يكن الذي استغنى فأنت له تصدى أي مهما يكن شيء فالذي استغنى تتصدى له والمقصود : أنت تحرص على التصدي له فجعل مضمون الجواب وهو التصدي له معلقا على وجود من استغنى وملازما له ملازمة التعليق الشرطي على طريقة المبالغة .
والاستغناء : عد الشخص نفسه غنيا في أمر يدل عليه السياق قول أو فعل أو علم فالسين والتاء للحسبان أي حسب نفسه غنيا . وأكثر ما يستعمل الاستغناء في التكبر والاعتزاز بالقوة .
فالمراد ب ( من استغنى ) هنا : من عد نفسه غنيا عن هديك بأن أعرض عن قبوله لأنه أجاب قول النبي A له " هل ترى بما أقول بأسا بقوله : لا والدماء... " كناية على أنه لا بأس به يريد ولكني غير محتاج إليه .
A E وليس المراد ب ( من استغنى ) من استغنى بالمال إذ ليس المقام في أيثار صاحب مال على فقير .
وهذا الذي تصدى النبي A لدعوته وعرض القرآن عليه هو على أشهر الأقوال المروية عن سلف المفسرين الوليد بن المغيرة المخزومي كما تقدم .
والإتيان بضمير المخاطب مظهرا قبل السند الفعلي دون استتاره في الفعل يجوز أن يكون للتقوي كأنه قيل : تتصدى له تصديا فمناط العتاب هو التصدي القوي .
ويجوز أن يكون مفيدا للاختصاص أي فأنت لا غيرك تتصدى له أي ذلك التصدي لا يليق بك . وهذا قريب من قولهم : مثلك لا يبخل أي لو تصدى له غيرك لكان هونا فأما أنت فلا يتصدى مثلك لمثله فمناط العتاب هو أنه وقع من النبي A في جليل قدره .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر بفتح التاء وتشديد الصاد على إدغام إحدى التاءين في الصاد . والباقون بالفتح وتخفيف الصاد على حف إحدى التاءين .
والتصدي : التعرض أطلق هنا على الإقبال الشديد مجازا .
( وما عليك ألا يزكى [ 7 ] ) جملة معترضة بين جملة ( أما من استغنى ) وجملة ( وأما من جاءك يسعى ) الآية والواو اعتراضية .
و ( ما ) نافية و ( عليك ) خبر مقدم . والمبتدأ ( أن لا يزكى ) والمعنى : عدم تزكيه ليس محمولا عليك أي لست مؤاخذا بعدم اهتدائه حتى يزيد من الحرص على ترغيبه في الإيمان ما لم يكلفك الله به . وهذا رفق من الله برسوله A .
( وأما من جاءك يسعى [ 8 ] وهو يخشى [ 9 ] فأنت عنه تلهى [ 10 ] ) عطف على جملة ( أما من استغنى ) اقتضى ذكره قصد المقابلة مع المعطوف عليها مقابلة الضدين إتماما للتقسيم . والمراد : هو ابن أم مكتوم فحصل بمضمون هذه الجملة تأكيد لمضمون ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى )