وكان النبي A يحبه ويكرمه وقد استخلفه على المدينة في خروجه إلى الغزوات ثلاث عشرة مرة وكان مؤذن النبي A هو وبلال بن رباح .
والعبوس بضم العين : تقطيب الوجه وإظهار الغضب . ويقال : رجل عبوس بفتح العين أي متقطب قال تعالى ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) . وعبس من باب ضرب .
والتولي . أصله تحول الذات من مكانها ويستعار لعدم اشتغال المرء بكلام يلقى إليه أو جلس يحل عنده وهو هنا مستعار لعدم الاشتغال بسؤال سائل ولعدم الإقبال على الزائر .
وحذف متعلق ( تولى ) لظهور أنه تول عن الذي مجيئه كان سبب التولي .
وعبر عن ابن أم مكتوم ب ( الأعمى ) ترقيقا للنبي A ليكون العتاب ملحوظا فيه أنه لما كان صاحب ضرارة فهو أجدر بالعناية به لأن مثله يكون سريعا إلى انكسار خاطره .
و ( أن جاءه الأعمى ) مجرور بلام الجر محذوف مع ( أن ) وهو حذف مطرد وهو متعلق بفعلي ( عبس وتولى ) على طريقة التنازع .
والعلم بالحادثة يدل على أن المراد مجيء خاص وأعمى معهود .
وصيغة الخبر مستعملة في العتاب على الغفلة عن المقصود الذي تضمنه الخبر وهو اقتصار النبي A على الاعتناء بالحرص على تبليغ الدعوة إلى من يرجو منه قبولها مع الذهول عن التأمل فيما يقارن ذلك من تعليم من يرغب في علم الدين ممن آمن ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه A لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثا على أن يترقب المعني من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب وهذا تلطف من الله برسوله A ليقع العتاب في نفسه مدرجا وذلك أهون وقعا ونظير هذا قوله ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) .
قال عياض : قال عون بن عبد الله والسمرقندي : أخبره الله بالعفو قبل أن يخبره بالذنب حتى سكن قلبه اه . فكذلك توجيه العتاب إليه مسندا إلى ضمير الغائب ثم جيء بضمائر الغيبة فذكر الأعمى تظهر المراد من القصة وأتضح المراد من ضمير الغيبة .
ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات .
A E ويظهر أن النبي A رجا من ذلك المجلس أن يسلموا فيسلم بإسلامهم جمهور قريش أو جميعهم فكان دخول ابن أم مكتوم قطعا لسلك الحديث وجعل يقول للنبي A يا رسول الله استدنني علمني أرشدني ويناديه ويكثر النداء والإلحاح فظهرت الكراهية في وجه الرسول A لعله لقطعه عليه كلامه وخشيته أن يفترق النفر المجتمعون وفي رواية الطبري أنه أستقرأ النبي A آية من القرآن .
وجملة ( وما يدريك ) الخ في موضع الحال .
وما يدريك مركبة من ( ما ) الاستفهامية وفعل الدراية المقترن بهمزة التعدية أي ما يجعلك داريا أي عالما . ومثله ( ما أدراك ) كقوله ( وما أدراك ما الحاقة ) . ومنه ( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) في سورة الأنعام .
والاستفهام في هذه التراكيب مراد منه التنبيه على مغفول عنه ثم تقع بعده جملة نحو ( وما أدراك ما القارعة ) ونحو قوله هنا ( وما يدريك لعله يزكى ) .
والمعنى أي شيء يجعلك داريا . وإنما يستعمل مثله لقصد الإجمال ثم التفصيل .
قال الراغب : ما ذكر ما أدراك في القرآن إلا وذكر بيانه بعده اه . قلت : فقد يبينه تفصيل مثل قوله هنا ( وما يدريك لعله يزكى ) وقوله ( وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) وقد يقه بعده ما فيه تهويل نحو ( وما أدراك ما هيه ) أي ما يعلمك حقيقتها وقوله ( وما أدراك ما الحاقة ) أي أي شيء أعلمك جواب ( ما الحاقة ) .
وفعل ( يدريك ) معلق عن العمل في مفعوليه لورود حرف ( لعل ) بعده فإن ( لعل ) من موجبات تعليق أفعال القلوب على ما أثبته أبو علي الفارسي في التذكرة إلحاقا للترجي بالاستفهام في أنه طلب . فلما علق فعل ( يدريك ) عن العمل صار غير متعد إلى ثلاثة مفاعيل وبقي متعديا إلى مفعول واحد بهمزة التعددية التي فيها فصار ما بعده جملة مستأنفة .
والتذكر : حصول أثر التذكير فهو خطور أمر معلوم في الذهن بعد نسيانه إذ هو مشتق من الذكر بضم الذال