والمراد ب ( الهوى ) ما تهواه النفس فهو مصدر بمعنى المفعول مثل الخلق بمعنى المخلوق فهو ما ترغب فيه قوى النفس الشهوية والغضبية مما يخالف الحق والنفع الكامل . وشاع الهوى في المرغوب الذميم ولذلك قيل في قوله تعالى ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) أن ( بغير هدى ) حال فمؤكدة ليست تقييدا إذ لا يكون الهوى إلا بغير هدى .
وتعريف ( الهوى ) تعريف الجنس .
والتعريف في ( المأوى ) الأول والثاني تعريف العهد أي مأوى من طغى ومأوى من خاف مقام ربه وهو تعريف معن عن ذكر ما يضاف إليه ( مأوى ) ومثله شائع في الكلام كما في قوله : غض الطرف أي الطرف المعهود من الأمر أي غض طرفك . وقوله : واملأ السمع أي سمعك وقوله تعالى ( وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال ) أي على أعراف الحجاب ولذلك فتقدير الكلام عند نحاة الصرة المأوى له أو مأواه عند نحاة الكوفة ويسمي نحاة الكوفة الألف واللام هذه عوضا عن المضاف إليه وهي تسمية حسنة لوضوحها واختصارها ويأبى ذلك البصريون وهو خلاف ضئيل إذ المعنى متفق عليه .
والمأوى : اسم مكان من أوى إذا رجه فالمراد به : المقر والمسكن لأن المرء يذهب إلى قضاء شؤونه ثم يرجع إلى مسكنه .
و ( مقام ربه ) مجاز عن الجلال والمهابة وأصل المقام مكان القيام فكان أصله مكان ما يضاف هو إليه ثم شاع إطلاقه على نفس ما يضاف إليه على طريقة الكناية بتعظيم المكان عن تعظيم صاحبه مثل ألفاظ : جناب وكنف وذرى قال تعالى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) وقال ( ذلك لمن خاف مقامي ) وذلك من قبيل الكناية المطلوب بها نسبة إلى المكنى عنه فإن خوف مقام الله مراد به خوف الله والمراد بالنسبة ما يشمل التعلق بالمفعول .
وفي قوله ( يوم يتذكر الإنسان ما سعى ) إلى قوله ( فإن الجنة هي المأوى ) محسن الجمع مع التقسيم .
وتعريف ( النفس ) في قوله ( ونهى النفس ) هو مثل التعريف في ( المأوى ) .
A E وفي تعريف ( أصحاب الجحيم ) و ( أصحاب الجنة ) بطريق الموصول إيماء إلى أن الصلتين علتان في استحقاق ذلك المأوى .
( يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ 42 ] فيم أنت من ذكراها [ 43 ] إلى ربك منتهاها [ 44 ] إنما أنت منذر من يخشاها [ 45 ] ) استئناف بياني منشؤه أن المشركين كانوا يسألون عن وقت حلول الساعة التي يتوعدهم بها النبي A كما حكاه الله عنهم غير مرة في القرآن كقوله ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) .
وكان سؤالهم استهزاء واستخفافا لأنهم عقدوا قلوبهم على استحالة وقوع الساعة وربما طلبوا التعجيل بوقوعها وأوهموا أنفسهم وأشياعهم أن تأخر وقوعها دليل على اليأس منها لأنهم يتوهمون أنهم إذا فعلوا ذلك مع الرسول A لو كان صادقا لحمي غضب الله مرسله سبحانه فبادر بإراءتهم العذاب وهم يتوهمون شؤون الخالق كشؤون الناس إذا غضب أحدهم عجل بالانتقام طيشا وحنقا قال تعالى ( لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لم يجدوا من دونه موئلا ) .
فلا جرم لما قضي حق الاستدلال على إمكان البعث بإقامة الدليل وضرب الأمثال وعرض بعقاب الذين استخفوا بها في قوله ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) كان ذلك مثارا لسؤالهم أن يقولوا : هل لمجيء هذه الطامة الكبرى وقت معلوم ؟ فكان الحال مقتضيا هذا الاستئناف البياني قضاء لحق المقام وجوابا عن سابق الكلام .
فضمير ( يسألون ) عائد إلى المشركين أصحاب القلوب الواجفة والذين قالوا ( أإنا لمردودون في الحافرة ) .
وحكي فعل السؤال بصيغة المضارع للدلالة على تجدد هذا السؤال وتكرره .
والساعة : هي الطامة فذكر الساعة إظهار في مقام الإضمار لقصد استقلال الجملة بمدلولها مع تفنن في التعبير عنها بهذين الاسمين ( الطامة ) و ( الساعة ) .
و ( أيان مرساها ) جملة مبينة للسؤال .
و ( أيان ) اسم يستفهم به عن تعيين الوقت .
والاستفهام مستعمل في الاستبعاد كناية وهو أيضا كناية عن الاستحالة و ( مرساها ) مصدر ميمي لفعل أرسى والإرساء : جعل السفينة عند الشاطيء لقصد النزول منها . واستعير الإرساء للوقوع والحصول تشبيها للأمر المغيب حصوله بسفينة ماخرة البحر لا يعرف وصولها إلا إذا رست وعليه ف ( أيان ) ترشيح للاستعارة وتقدم نظير هذه في سورة الأعراف