وقوله ( فيم أنت من ذكراها ) واقع موقع الجواب عن سؤالهم عن الساعة باعتبار ما يظهر من حال سؤالهم عن الساعة من إرادة تعيين وقتها وصرف النظر عن إرادتهم به الاستهزاء فهذا الجواب من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر وهو من تلقي السائل بغير ما يتطلب تنبيها له على أن الأولى به أن يهتم بغير ذلك وهو مضمون قوله ( إنما أنت منذر من يخشاها ) . وهذا ما يسمى بالأسلوب الحكيم ونظيره ما روي في الصحيح أن رجلا سأل النبي A عن الساعة فقال له " ماذا أعددت لها ؟ " أي كان الأولى لك أن تصرف عنايتك إلى الاستكثار من الحسنات إعدادا ليوم الساعة .
والخطاب وإن كان موجها إلى النبي A فالمقصود بلوغه إلى مسامع المشركين فلذلك اعتبر اعتبار جواب عن كلامهم وذلك مقتضى فصل الجملة عن التي قبلها شأن الجواب والسؤال .
و ( ما ) في قوله ( فيم ) اسم استفهام بمعنى : أي شيء ؟ مستعملة في التعجيب من سؤال السائلين عنها ثم توبيخهم . و ( في ) للظرفية المجازية بجعل المشركين في إحفائهم بالسؤال عن وقت الساعة كأنهم جعلوا النبي A محوطا بذكر وقت الساعة أي متلبسا به تلبس العالم بالمعلوم فدل على ذلك بحرف الظرفية على طريقة الاستعارة في الحرف .
وحذف ألف ( ما ) لوقوعها بعد حرف الجر مثل ( عم يتساءلون ) . و ( فيم ) خبر مقدم و ( أنت ) مبتدأ و ( من ذكراها ) إما متعلق بالاستقرار الذي في الخبر أو هو حال من المبتدأ .
و ( من ) : إما مبينة للإبهام الذي في ( ما ) الاستفهامية أي في شيء هو ذكراها أي في شيء هو أن تذكرها أي لست متصديا لشيء هو ذكرى الساعة وإما صفة للمبتدأ فهي اتصالية وهي ضرب من الابتدائية ابتداؤها مجازي أي لست في شيء يتصل بذكرى الساعة ويحوم حوله أي ما أنت في شيء هو ذكر وقت الساعة وعلى الثاني : ما أنت في صلة مع ذكر الساعة أي لا ملابسة بينك وبين تعيين وقتها .
A E وتقديم ( فيم ) على المبتدأ للاهتمام به ليفيد أن مضمون الخبر هو مناط الإنكار بخلاف ما لو قيل : أأنت في شيء من ذكراها ؟ والذكرى : اسم مصدر الذكر والمراد به هنا الذكر اللساني .
وجملة ( إلى ربك منتهاها ) في موقع العلة للإنكار الذي اقتضاه قوله ( فيم أنت من ذكراها ) ولذلك فصلت وفي الكلام تقدير مضاف والمعنى : إلى ربك علم منتهاها .
وتقديم المجرور على المبتدأ في قوله ( إلى ربك منتهاها ) لإفادة القصر أي لا إليك وهذا قصر صفة على موصوف .
والمنتهى : أصله مكان انتهاء السير ثم أطلق على المصير لأن المصير لازم للانتهاء قال تعالى ( وأن إلى ربك المنتهى ) ثم توسع فيه فأطلق على العلم أي لا يعلمها إلا الله فقوله ( منتهاها ) هو في المعنى على حذف مضاف أي علم وقت حصولها كما دل عليه قوله ( أيان مرساها ) .
ويجوز أن يكون ( منتهاها ) بمعنى بلوغ خبرها كما يقال : أنهيت إلى فلان حادثة كذا وانتهى إلي نبأ كذا .
وقوله ( إنما أنت منذر من يخشاها ) استئناف بياني ناشئ عن جملة ( فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها ) وهو أن يسأل السامع عن وجه إكثار النبي A ذكرها وأنها قريبة فأجيب بأن النبي A حظه التحذير من بغتتها وليس حظه الإعلام بتعيين وقتها على أن المشركين قد اتخذوا إعراض القرآن عن تعيين وقتها حجة لهم على إحالتها لأنهم بجهلهم بالحقائق يحسبون أن من شأن النبي A أن يعلم الغيب ولذلك تكرر في القرآن تبرئة النبي A من ذلك كما في قوله تعالى ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ) .
وأفادت ( إنما ) قصر المخاطب على صفة الإنذار أي تخصيصه بحال الإنذار وهو قصر موصوف على صفة فهو قصر إضافي أي بالنسبة إلى ما اعتقدوه فيه بما دل عليه إلحافهم في السؤال من كونه مطلعا على الغيب .
وقوله ( منذر من يخشاها ) قرأه الجمهور بإضافة ( منذر ) إلى ( من يخشاها ) . وقرأه أبو جعفر بتنوين ( منذر ) على أن ( من يخشاها ) مفعوله