ولذلك لا تستعمل العرب في مثله من حروف الاستفهام غير ( هل ) لأنها تدل على طلب تحقيق المستفهم عنه فهي في الاستفهام مثل ( قد ) في الإخبار والاستفهام معها حاصل بتقدير همزة استفهام فالمستفهم بها يستفهم عن تحقيق الأمر ومن قبيله قولهم في الاستفهام : أليس قد علمت كذا فيأتون ب ( قد ) مع فعل النفي المقترن باستفهام إنكار من غير أن يكون علم المخاطب محققا عند المتكلم .
والخطاب لغير معين فالكلام موعظة ويتبعه تسلية الرسول A .
A E و ( أتاك ) معناه : بلغك استعير الإتيان لحصول العلم تشبيها للمعقول بالمحسوس كأن الحصول مجيء إنسان على وجه التصريحية أو كأن الخبر الحاصل إنسان أثبت له الإتيان على طريقة الاستعارة المكنية قال النابغة : .
" أتاني أبيت اللعن أنك لمتني والحديث : الخبر وأصله فعيل بمعنى فاعل من حدث الأمر إذا طرأ وكان أي الحادث من أحوال الناس وإنما يطلق على الخبر بتقدير مضاف لا يذكر لكثرة الاستعمال تقديره خبر الحديث أي خبر الحادث .
و ( إذا ) اسم زمان واستعمل هنا في الماضي وهو بدل من ( حديث موسى ) بدل اشتمال لأن حديثه يشتمل على كلام الله إياه وغير ذلك .
وكما جاز أن تكون ( إذا ) بدلا من المفعول به في قوله تعالى ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء ) يجوز أن تكون بدلا من الفاعل وغيره واقتصار ابن هشام وغيره على أنها تكون مفعولا به أو بدلا من المفعول به اقتصار على أكثر موارد استعمالها إذا خرجت عن الظرفية فقد جوز في الكشاف وقوع ( إذ ) مبتدأ في قراءة من قرأ ( لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا ) في سورة آل عمران . وأضيف ( إذ ) إلى جملة ( ناداه ربه ) . والمعنى : هل أتاك خبر زمان نادى فيه موسى ربه .
والواد : المكان المنخفض بين الجبال .
والمقدس : المطهر . والمراد به التطهير المعنوي وهو التشريف والتبريك لأجل ما نزل فيه من كلام الله دون توسط ملك يبلغ الكلام إلى موسى عليه السلام وذلك تقديس خاص ولذلك قال الله له في الآية الأخرى ( فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس ) .
وطوى : اسم مكان ولعله هو نوع من الأدوية يشبه البئر المطوية وقد سمي مكان بظاهر مكة ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وكسرها . وتقدم في سورة طه . وهذا واد في جانب جبل الطور في برية سينا في جانبه الغربي .
وقرأ الجمهور ( طوى ) بلا تنوين على أنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث بتأويل البقعة أو للعدل عن طاو أو للعجمة . وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف منونا باعتباره اسم واد مذكر اللفظ .
وجملة ( اذهب إلى فرعون ) بيان لجملة ( ناداه ربه ) .
وجملة ( إنه طغى ) تعليل للأمر في قوله ( اذهب ) ولذلك افتتحت بحرف ( إن ) الذي هو للاهتمام ويفيد مفاد التعليل .
والطغيان إفراط التكبر وتقدم عند قوله ( للطاغين مئابا ) في سورة النبأ .
وفرعون : لقب ملك القبط بمصر في القديم وهو اسم معرب عن اللغة العبرانية ولا يعلم هل هو اسم للملك في لغة القبط ولم يطلقه القرآن إلا على ملك مصر الذي أرسل إليه موسى وأطلق على الذي في زمن يوسف اسم الملك وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى ( ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه ) في سورة الأعراف .
و ( هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك ) عرض وترغيب قال تعالى ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) .
وقوله ( هل لك ) تركيب جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا التركيب لأنه قصد به الإيجاز يقال : هل لك إلى كذا ؟ وهل لك في كذا ؟ وهو كلام يقصد منه العرض بقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل ؟ ومنه قول كعب : .
ألا بلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا بضم تاء ( قلت ) . وقول بجير أخيه في جوابه عن أبياته : .
من مبلغ كعبا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلا وهي أحزم و ( لك ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : هل لك رغبة في كذا ؟ فحذف ( رغبة ) واكتفي بدلالة حرف ( في ) عليه وقالوا : هل لك إلى كذا ؟ على تقدير : هل لك ميل ؟ فحذف ( ميل ) لدلالة ( إلى ) عليه