ووصف الكرة بالخاسرة مجاز عقلي للمبالغة لأن الخاسر أصحابها . والمعنى : إنا إذن خاسرون لتكذيبنا وتبين صدق الذي أنذرنا بتلك الرجعة .
( فإنما هي زجرة واحدة [ 13 ] فإذا هم بالساهرة [ 14 ] ) A E الفاء فصيحة للتفريع على ما يفيده قولهم ( أينا لمردودون في الحافرة إذا كنا عظاما نخرة ) من إحالتهم الحياة بعد البلى والفناء .
فتقدير الكلام : فلا عجب في ذلك فما هي إلا زجرة واحدة فإذا أنتم حاضرون في الحشر .
وضمير ( هي ) ضمير القصة وهو ضمير الشأن . واختير الضمير المؤنث ليحسن عوده إلى زجره . وهذا من أحسن استعمالات ضمير الشأن . والقصر حقيقي مراد منه تأكيد الخبر بتنزيل السامع منزلة من يعتقد أن زجرة واحدة غير كافية في إحيائهم .
وفاء ( فإذا هم بالساهرة ) للتفريع على جملة ( إنما هي زجرة واحدة ) . و ( إذا ) للمفاجأة أي الحصول دون تأخير فحصل تأكيد معنى التفريع الذي أفادته الفاء وذلك يفيد عدم الترتب بين الزجرة والحصول في الساهرة .
والزجرة : المرة من الزجر وهو الكلام الذي فيه أمر أو نهي في حالة غضب . يقال : زجر البعير إذا صاح له لينهض أو يسير وعبر بها هنا عن أمر الله بتكوين أجساد الناس الأموات تصويرا لما فيه من معنى التسخير لتعجيل التكون . وفيه مناسبة لإحياء ما كان هامدا كما يبعث البعير البارك بزجرة ينهض بها سريعا خوفا من زاجره وقد عبر عن ذلك بالصيحة في قوله تعالى ( يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ) وهو الذي عبر عنه بالنفخ في الصور .
ووصفت الزجرة بواحدة تأكيدا لما في صيغة المرة من معنى الوحدة لئلا يتوهم أن إفراده للنوعية وهذه الزجرة هي النفخة الثانية التي في قوله تعالى ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) فهي ثانية التي قبلها وهي الرادفة التي تقدم ذكرها آنفا وإنما أريد بكونها واحدة أنها لا تتبع بثانية لها وقد وصفت بواحدة في سورة الحاقة بهذا الاعتبار .
والساهرة : الأرض المستوية البيضاء التي لا نبات فيها يختار مثلها لاجتماع الجموع ووضع المغانم . وأريد بها أرض يجعلها الله لجمع الناس للحشر .
والإتيان ب ( إذا ) الفجائية للدلالة على سرعة حضورهم بهذا المكان عقب البعث .
وعطفها بالفاء لتحقيق ذلك المعنى الذي أفادته ( إذا ) لأن الجمع بين المفاجأة والتفريغ أشد ما يعبر به عن السرعة مع إيجاز اللفظ .
والمعنى : أن الله يأمر بأمر التكوين بخلق أجساد تحل فيها الأرواح التي كانت في الدنيا فتحضر في موقف الحشر للحساب بسرعة .
( هل أتيك حديث موسى [ 15 ] إذ ناديه ربه بالواد المقدس طوى [ 16 ] اذهب إلى فرعون إنه طغى [ 17 ] فقل هل لك إلى أن تزكى [ 18 ] وأهديك إلى ربك فتخشى [ 19 ] ) هذه الآية اعتراض بين جملة ( فإنما هي زجرة واحدة ) وبين جملة ( أأنتم أشد خلقا ) الذي هو الحجة على إثبات البعث ثم الإنذار بما بعده دعت إلى استطراده مناسبة التهديد لمنكري ما أخبرهم به الرسول A من البعث لتماثل حال المشركين في طغيانهم على الله ورسوله A بحال فرعون وقومه وتماثل حال الرسول A مع قومه بحال موسى عليه السلام مع فرعون ليحصل من ذكر قصة موسى تسلية للرسول A وموعظة للمشركين وأئمتهم مثل أبي جهل وأمية بن خلف وأضرابهما لقوله في آخرها ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) و ( هل أتاك ) استفهام صوري يقصد من أمثاله تشويق السامع إلى الخير من غير قصد إلى استعلام المخاطب عن سابق علمه بذلك الخبر فسواء في ذلك علمه من قبل أو لم يعلمه ولذلك لا ينتظر المتكلم بهذا الاستفهام جوابا عنه من المسؤول بل يعقب الاستفهام بتفصيل ما أوهم الاستفهام عنه بهذا الاستفهام كناية عن أهمية الخبر بحيث إنه مما يتساءل الناس عن علمه