والخطاب : الكلام الموجه لحاضر لدى المتكلم أو كالحاضر المتضمن إخبارا أو طلبا أو إنشاء مدح أو ذم .
وفعل ( يملكون ) يعم لوقوعه في سياق النفي كما تعم النكرة المنفية . و ( خطابا ) عام أيضا وكلاهما من العام المخصوص بمخصص منفصل كقوله عقب هذه الآية ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا ) وقوله ( يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه ) وقوله ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) وقوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) .
والغرض من ذكر هذا إبطال اعتذار المشركين حين استشعروا شناعة عبادتهم الأصنام التي شهر القرآن بها فقالوا ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) وقالوا ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) .
( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ 38 ] ) ( يوم ) متعلق بقوله ( لا يملكون منه خطابا ) أي لا يتكلم أحد يومئذ إلا من أذن له الله .
وجملة ( لا يتكلمون ) مؤكدة لجملة ( لا يملكون منه خطابا ) أعيدت بمعناها لتقرير المعنى إذ كان المقام حقيقا فالتقرير لقصد التوصل به إلى الدلالة على إبطال زعم المشركين شفاعة أصنامهم لهم عند الله وهي دلالة بطريق الفحوى فإنه إذا نفي تكلمهم بدون إذن نفيت شفاعتهم إذ الشفاعة كلام من له وجاهة وقبول عند سامعه .
وليبنى عليها الاستثناء لبعد المستثنى والمستثنى منه بمتعلقات ( يملكون ) من مجرور ومفعول به وظرف وجملة أضيف لها .
وضمير ( يتكلمون ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير ( يملكون ) .
والقول في تخصيص ( لا يتكلمون ) مثل القول في تخصيص ( لا يملكون منه خطابا ) وقوله ( إلا من أذن له الرحمن ) استثناء من ضمير ( لا يتكلمون ) وإذ قد كان مؤكدا لضمير ( لا يملكون ) فالاستثناء منه يفهم الاستثناء من المؤكد به .
والقيام : الوقوف وهو حالة الاستعداد للعمل الجد وهو من أحوال العبودية الحق التي لا تستحق إلى لله تعالى . وفي الحديث " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " أي لأن ذلك من الكبرياء المختصة بالله تعالى .
والروح : اختلف في المراد منه اختلافا أثاره عطف الملائكة عليه فقيل هو جبريل .
وتخصيصه بالذكر قبل ذكر الملائكة المعطوف عليه لتشريف قدره بإبلاغ الشريعة وقيل المراد : أرواح بني آدم .
واللام لتعريف الجنس : فالمفرد معها والجمع سواء . والمعنى : يوم تحضر الأرواح لتودع في أجسادها وعليه يكون فعل ( يقوم ) مستعملا في حقيقته ومجازه .
( والملائكة ) عطف على ( الروح ) أي ويقوم الملائكة صفا .
والصف اسم للأشياء الكائنة في مكان بجانب بعضها بعضا كالخط . وقد تقدم في قوله تعالى ( ثم ائتوا صفا ) في سورة طه وفي قوله ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) في سورة الحج وهو تسمية بالمصدر من إطلاق المصدر على اسم الفاعل وأصله للمبالغة ثم صار اسما . وإنما يصطف الناس في المقامات التي يكون فيها أمر عظيم فصف الملائكة تعظيم لله وخضوع له .
A E والإذن : اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل للمأذون وهو مشتق من : أذن له إذا استمع إليه قال تعالى ( وأذنت لربها وحقت ) أي استمعت وطاعت لإرادة الله . وأذن : فعل مشتق من اسم الأذن وهي جارحة السمع فأصل معنى أذن له : أمال أذنه أي سمعه إليه يقال : أذن يأذن أذنا كفرح ثم استعمل في لازم السمع وهو الرضى بالمسموع فصار أذن بمعنى رضي بما يطلب منه أو ما شأنه أن يطلب منه وأباح فعله ومصدره إذن بكسر الهمزة وسكون الذال فكأن اختلاف صيغة المصدرين لقصد التفرقة بين المعنيين .
ومتعلق ( أذن ) محذوف دل عليه ( لا يتكلمون ) أي من أذن له في الكلام .
ومعنى أذن الرحمان : أن من يريد التكلم لا يستطيعه أو تعتريه رهبة فلا يقدم على الكلام حتى يستأذن الله فأذن له وإنما يستأذنه إذا ألهمه الله للاستئذان فإن الإلهام إذن عند أهل المكاشفات في العامل الأخروي فإذا ألقى الله في النفس أن يستأذن استأذن الله فأذن له كما ورد في حديث الشفاعة من إحجام الأنبياء عن الاستشفاع للناس حتى يأتوا محمد A قال في الحديث " فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي D ثم يفتح الله علي من محامد وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقول : ارفع رأسك تشفع وتشفع "