فانتقل من ترهيب الكافرين بما سيلاقونه إلى ترغيب المتقين فيما أعد لهم في الآخرة من كرامة ومن سلامة مما وقع فيه أهل الشرك .
فالجملة متصلة بجملة ( إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا ) وهي مستأنفة استئنافا ابتدائيا مقتضى الانتقال .
وافتتاحها بحرف ( إن ) للدلالة على الاهتمام بالخبر لئلا يشك فيه أحد .
والمقصود من المتقين المؤمنون الذين آمنوا بالنبي A واتبعوا ما أمرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه لأنهم المقصود من مقابلتهم بالطاغين المشركين .
والمفاز : مكان الفوز وهو الظفر بالخير ونيل المطلوب . ويجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الفوز وتنوينه للتعظيم .
وتقديم خبر ( إن ) على اسمها للاهتمام به تنويها للمتقين .
والمراد بالمفاز : الجنة ونعيمها . وأوثرت كلمة ( مفازا ) على كلمة : الجنة لأن اشتقاقه إثارة الندامة في نفوس المخاطبين بقوله ( فتأتون أفواجا ) وبقوله ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) .
وأبدل ( حدائق ) من ( مفازا ) بدل بعض من كل باعتبار أنه بعض من مكان الفوز أو بدل اشتمال باعتبار معنى الفوز .
والحدائق : جمع حديقة وهي الجنة من النخيل والأشجار ذوات الساق المحوطة بحائط أو جدار أو حضائر .
والأعناب : جمع عنب وهو اسم يطلق على شجرة الكرم ويطلق على ثمرها .
والكواكب : جمع كاعب وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها . ووصفت بكاعب لأنها تكعب ثديها أي صار كالكعب أي استدار ونتأ يقال : كعب بتشديد العين . ولما كان كاعب وصفا خاصا بالمرأة لم تلحقه هاء التأنيث وجمع على فواعل .
والأتراب : جمع ترب بكسر فسكون : وهو المساوي غيره في السن وأكثر ما يطلق على الإناث . قيل هو مشتق من التراب فقيل لأنه حين يولد يقع على التراب مثل الآخر أو لأن الترب ينشأ مع لدته في سن الصبا يلعب بالتراب .
وقيل مشتق من الترائب تشبيها في التساوي بالترائب وهي ضلوع الصدر فإنها متساوية .
وتقدم الأتراب في قوله تعالى ( عربا أترابا ) في الواقعة فيجوز أن يكون وصفهم بالأتراب بالنسبة بينهن في تساوي السن لزيادة الحسن أي لا تفوت واحدة منهن غيرها أي فلا تكون النفس إلى إحداهن أميل منها إلى الأخرى فتكون بعضهن أقل مسرة في نفس الرجل .
ويجوز أن يكون هذا الوصف بالنسبة بينهن وبين أزواجهن لأن ذلك أحب إلى الرجال في معتاد أهل الدنيا لأنه أوفق بطرح التكلف بين الزوجين وذلك أحلى المعاشرة .
A E والكأس : إناء معد لشرب الخمر وهو اسم مؤنث تكون من زجاج ومن فضة ومن ذهب وربما ذكر في كتب اللغة أن الكأس الزجاجة فيها الشراب ولم أقف على أن لها شكلا معينا يميزها عن القدح وعن الكوب وعن الكوز ولم أجد في قواميس اللغة التعريف بالكأس بأنها : إناء الخمر وأنها الإناء ما دام فيه الشراب . وهذا يقتضي أنها لا تختص بصنف من الآنية .
وقد يطلقون على الخمر اسم الكأس وأريد بالكأس الجنس إذ المعنى وأكؤسا . وعدل عن صيفة الجمع لأن كأسا بالإفراد أخف من أكؤس وكؤوس ولأن هذا المركب جرى مجرى المثل كما سيأتي .
ودهاق : اسم مصدر دهق من باب جعل أو اسم مصدر أدهق ولكونه في الأصل مصدرا لم يقترن بعلامة تأنيث .
والدهق والإدهاق ملء الإناء من كثرة ما صب فيه .
ووصف الكأس بالدهق من إطلاق المصدر على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق فإن الكأس مدهقة لا داهقة .
ومركب ( كأس دهاق ) يجري مجرى المثل قال عكرمة : قال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأسا دهاقا ولذلك أفرد ( كأسا ) ومعناه مملوءة خمرا أي دون تقتير لأن الخمر كانت عزيزة فلا يكيل الحانوي للشارب إلا بمقدار فإذا كانت الكأس ملأى كان ذلك أسر للشارب