ارتقاء في الوعيد والتهديد فإن ( ثم ) لما عطفت الجملة فهي للترتيب الرتبي وهو أن مدلول الجملة التي بعدها أرقى رتبة في الغرض من مضمون الجملة التي قبلها ولما كانت الجملة التي بعد ( ثم ) مثل الجملة التي قبل ( ثم ) تعين أن يكون مضمون الجملة التي بعد ( ثم ) أرقى درجة من مضمون نظيرها . ومعنى ارتقاء الرتبة أن مضمون ما بعد ( ثم ) أقوى من مضمون الجملة التي قبل ( ثم ) وهذا المضمون هو الوعيد فلما أستفيد تحقيق وقوع المتوعد به بما أفاده التوكيد اللفظي إذ الجملة التي بعد ( ثم ) أكدت الجملة التي قبلها تعين انصراف معنى ارتقاء رتبة معنى الجملة الثانية هو أن المتوعد به الثاني أعظم مما يحسبون .
وضمير ( سيعلمون ) في الموضوعين يجري على نحو ما تقدم في ضمير ( يتساءلون ) وضمير ( فيه مختلفون ) .
( ألم نجعل الأرض مهادا [ 6 ] ) لما كان أعظم نبأ جاءهم به القرآن إبطال إلهية أصنامهم وإثبات إعادة خلق أجسامهم وهم الأصلان اللذان أثارا تكذيبهم بأنه من عند الله وتألبهم على رسول الله A وترويجهم تكذيبه جاء هذا الاستئناف بيانا لإجمال قوله ( عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ) .
وسيجيء بعده تكملته بقوله ( إن يوم الفصل كان ميقاتا ) .
A E وجمع الله لهم في هذه الآيات للاستدلال على الوحدانية بالانفراد بالخلق . وعلى إمكان إعادة الأجساد للبعث بعد البلى بأنها لا تبلغ مبلغ أيجاد المخلوقات العظيمة .
ولكون الجملة في موقع الدليل لم تعطف على ما قبلها .
والكلام موجه إلى منكري البعث وهم الموجه إليهم الاستفهام فهو من قبيل الالتفات لأن توجيه الكلام في قوة ضمير المخاطب بدليل عطف ( وخلقناكم أزواجا ) عليه .
والاستفهام في ( ألم نجعل ) تقريري وهو تقرير على النفي كما هو غالب صيغ الاستفهام التقريري أن يكون بعده نفي والأكثر كونه بحرف ( لم ) وذلك النفي كالإعذار للمقرر إن كان يريد أن ينكر وإنما المقصود التقرير بوقوع جعل الأرض مهادا لا بنفيه بحرف النفي لمجرد تأكيد معنى التقرير .
فالمعنى : أجعلنا الأرض مهادا ولذلك سيعطف عليه ( وخلقناكم أزواجا ) وتقدم عند قوله تعالى ( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض ) في سورة البقرة . ولا يسعهم إلا الإقرار به قال تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) وحاصل الاستدلال بالخلق الأول لمخلوقات عظيمة أنه يدل على إمكان الخلق الثاني لمخلوقات هي دون المخلوقات الأولى قال تعالى ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) ( أي ) الثاني ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
وجعل الأرض : خلقها على تلك الحالة لأن كونها مهادا أمر حاصل فيها من ابتداء خلقها ومن أزمان حصول ذلك لها من قبل خلق الإنسان لا يعلمه إلا الله .
والمعنى : أنه خلقها في حال أنها كالمهاد فالكلام تشبيه بليغ .
والتعبير ب ( نجعل ) دون : نخلق لأن كونها مهادا حالة من أحوالها عند خلقها أو بعده بخلاف فعل الخلق فإنه يتعدى إلى الذات غالبا أو إلى الوصف المقوم للذات نحو ( الذي خلق الموت والحياة ) .
والمهاد : بكسر الميم الفراش الممهد الموطأ ؛ وزنة الفعال فيه تدل على أن أصله مصدر سمي به للمبالغة . وفي القاموس : إن المهاد يراد في المهد الذي يجعل للصبي . وعلى كل فهو تشبيه للأرض به إذ جعل سطحها ميسرا للجلوس عليها والاضطجاع وبالأحرى المشي وذلك دليل على إبداع الخلق والتيسير على الناس فهو استدلال يتضمن امتنانا وفي ذلك الامتنان إشعار بحكمة الله تعالى إذ جعل الأرض ملائمة للمخلوقات التي عليها فإن الذي صنع هذا الصنع لا يعجزه أن يخلق الأجسام مرة ثانية بعد بلاها .
والغرض من الامتنان هنا تذكيرهم بفضل الله لعلهم أن يرعوا عن المكابرة ويقلبوا على النظر فيما يدعوهم إليه الرسول A تبليغا عن الله تعالى .
ومناسبة ابتداء الاستدلال على إمكان البعث بخلق الأرض أن البعث هو إخراج أهل الحشر من الأرض فكانت الأرض أسبق شيء إلى ذهن السامع عند الخوض في أمر البعث أي بعث أهل القبور .
وجعل الأرض مهادا يتضمن الاستدلال بأصل خلق الأرض على طريقة الإيجاز ولذلك لم يتعرض إليه بعد عند التعرض لخلق السماوات .
( والجبال أوتادا [ 7 ] )