والتعريف في ( النبأ ) تعريف الجنس فيشمل كل نبأ عظيم أنبأهم الرسول A به وأول ذلك إنباؤه بأن القرآن كلام الله وما تضمنه القرآن من إبطال الشرك ومن إثبات بعث الناس يوم القيامة فما يروى عن بعض السلف من تعيين نبأ خاص يحمل على التمثيل . فعن ابن عباس : هو القرآن وعن مجاهد وقتادة : هو البعث يوم القيامة .
وسوق الاستدلال بقوله ( ألم نجعل الأرض مهادا ) إلى قوله ( وجنات ألفافا ) يدل دلالة بينة على أن المراد من ( النبأ العظيم ) الإنباء بأن الله واحد لا شريك له .
A E وضمير ( هم فيه مختلفون ) يجري فيه الوجهان المتقدمان في قوله ( يتساءلون ) . واختلافهم في النبأ اختلافهم فيما يصفونه به كقول بعضهم ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) وقول بعضهم : هذا كلام مجنون وقول بعضهم : هذا كذب وبعضهم : هذا سحر وهم أيضا مختلفون في مراتب إنكاره . فمنهم من يقطع بإنكار البعث مثل الذين حكى الله عنهم بقوله ( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد افترى على الله كذبا أم به جنة ) ومنهم من يشكون فيه كالذين حكى الله عنهم بقوله ( قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) على أحد التفسيرين .
وجيء بالجملة الاسمية في صلة الموصول دون أن يقول : الذي يختلفون فيه أو نحو ذلك لتفيد الجملة الاسمية أن الاختلاف في أمر هذا النبأ متمكن منهم ودائم فيهم لدلالة الجملة الاسمية على الدوام والثبات .
وتقديم ( عنه ) على ( معرضون ) للاهتمام بالمجرور وللإشعار بأن الاختلاف ما كان من حقه أن يتعلق به مع ما في التقديم من الرعاية على الفاصلة .
( كلا سيعلمون [ 4 ] ) ( كلا ) حرف ردع وإبطال لشيء يسبقه غالبا في الكلام يقتضي ردع المنسوب إليه وإبطال ما نسب إليه وهو هنا ردع للذين يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون على ما يحتمله التساؤل من المعاني المتقدمة وإبطال لما تضمنته جملة ( يتساءلون ) من تساؤل معلوم للسامعين .
فموقع الجملة موقع الجواب عن السؤال ولذلك فصلت ولم تعطف لأن ذلك طريقة السؤال والجواب .
والكلام وإن كان إخبارا عنهم فإنهم المقصودون به فالردع موجه إليهم بهذا الاعتبار .
والمعنى : إبطال الاختلاف في ذلك النبأ وإنكار التساؤل عنه ذلك التساؤل الذي أرادوا به الاستهزاء وإنكار الوقوع وذلك يثبت وقوع ما جاء به النبأ وأنه حق لأن إبطال إنكار وقوعه يفضي إلى إثبات وقوعه .
والغالب في استعمال ( كلا ) أن تعقب بكلام يبين ما أجملته من الردع والإبطال فلذلك عقبت هنا بقوله ( سيعلمون ) وهو زيادة في إبطال كلامهم بتحقيق أنهم سيوقنون بوقوعه ويعاقبون على إنكاره فهما علمان يحصلان لهم بعد الموت : علم بحق وقوع البعث وعلم في العقاب عليه .
ولذلك حذف مفعول ( سيعلمون ) ليعم المعلومين فإنهم عند الموت يرون ما سيصيرون إليه فقد جاء في الحديث الصحيح " إن الكافر يرى مقعده فيقال له : هذا مقعدك حتى تبعث " وفي الحديث " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " وذلك من مشاهد روح المقبور وهي من المكاشفات الروحية وفسر بها قوله تعالى ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) .
فتضمن هذا الإبطال وما بعده إعلاما بأن يوم البعث واقع وتضمن وعيدا وقد وقع تأكيده بحرف الاستقبال الذي شأنه إفادة تقريب المستقبل .
ومن محاسن هذا الأسلوب في الوعيد أن فيه إيهاما بأنهم سيعلمون جواب سؤالهم الذي أرادوا به الإحالة والتهكم وصوروه في صورة طلب الجواب فهذا الجواب من باب قول الناس : الجواب ما ترى لا ما تسمع .
( ثم كلا سيعلمون [ 5 ] )