وحذف مفعول ( كذب ) ليشمل كل ما كذب به المشركون والتقدير : كذب الرسول والقرآن وبالبعث وتولى عن الاستجابة لشرائع الإسلام .
ويجوز أن يكون الفاء تفريعا وعطفا على قوله ( إلى ربك يومئذ المساق ) أي فقد فارق الحياة وسيق إلى لقاء الله خاليا من العدة لذلك اللقاء .
وفي الكلام على كلا الوجهين حذف يدل عليه السياق تقديره : فقد علم أنه قد خسر وتندم على ما أضاعه من الاستعداد لذلك اليوم .
وقد ورد ذلك في قوله تعالى ( إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمن لحياتي ) .
وفعل ( صدق ) مشتق من التصديق أي تصديق الرسول A والقرآن وهو المناسب لقوله ( ولكن كذب ) .
والمعنى : فلا آمن بما جاء به الرسول A . وبعض المفسرين فسر ( صدق ) بمعنى أعطى الصدقة وهو غير الجار على قياس التصريف إذ حقه أن يقال : تصدق على أنه لا يساعد الاستدراك في قوله ( ولكن كذب ) .
وعطف ( ولا صلى ) على نفي التصديق تشويها له بأن حاله مبائن لأحوال أهل الإسلام . والمعنى : فلم يؤمن ولم يسلم .
و ( لا ) نافية دخلت على الفعل الماضي والأكثر في دخولها على الماضي أن يعطف عليها نفي آخر وذلك حين يقصد المتكلم أمرين مثل ما هنا وقول زهير : .
" فلا هو أخفاها ولم يتقدم وهذا معنى قول الكسائي " ( لا ) بمعنى " لم " ولكنه يقرن بغيره يقول العرب : لا عبد الله خارج ولا فلان ولا يقولون : مررت برجل لا محسن حتى يقال : ولا مجمل " اه فإذا يعطف عليه نفي آخر فلا يؤتى بعدها بفعل مضي إلا في إرادة الدعاء نحو " لا فض فوك " وشذ ما خالف ذلك . وأما قوله تعالى ( فلا اقتحم العقبة ) فإنه على تأويل تكرير النفي لأن مفعول الفعل المنفي بحرف ( لا ) وهو العقبة يتضمن عدة أشياء منفية بينها قوله ( وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام ) إلى قوله ( من الذين آمنوا ) . فلما كان ذلك متعلق الفعل المنفي كان الفعل في تأويل تكرير النفي كأنه قيل : فك رقبة ولا أطعم يتيما ولا أطعم مسكينا ولا آمن .
وجملة ( ولكن كذب ) معطوفة على جملة ( فلا صدق ) .
A E وحرف ( لكن ) المخفف النون بالأصالة أي الذي لم يكن مخفف النون المشددة أخت ( إن ) هو حرف استدراك أي نقض لبعض ما تضمنته الجملة التي قبله إما لمجرد توكيد المعنى بذكر نقيضه مثل قوله تعالى ( وليس عليكم فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) وأما لبيان إجمال في النفي الذي قبله نحو ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ) .
وحرف ( ولكن ) المخفف لا يعمل إعرابا فهو حرف ابتداء ولذلك أكثر وقوعه بعد واو العطف وجملة ( ولكن كذب وتولى ) أفادت معنيين : أحدهما توكيد قوله ( فلا صدق ) بقوله ( كذب ) وثانيهما زيادة بيان معنى ( فلا صدق ) بأنه تولى عمدا لأن عدم التصديق له أحوال ونظيره في غير الاستدراك قوله تعالى ( إلا إبليس أبى واستكبر ) .
والتكذيب : تكذيبه بالبعث وبالقرآن وبرسالة محمد A .
والتولي : الإعراض عن دعوته إلى النظر والتدبر في القرآن .
وفاعل ( صدق ) والأفعال المذكورة بعده ضمائر عائدة على الإنسان المتقدم ذكره .
و ( يتمطى ) : يمشي المطيطاء " بضم الميم وفتح الطاء بعدها ياء ثم طاء مقصورة وممدودة " وهي تبختر .
وأصل يتمطى : يتمطط أي لأن المتبختر يمد خطاه وهي مشية المعجب بنفسه . وهنا انتهى وصف الإنسان المكذب .
والمعنى : أنه أهمل الاستعداد للآخرة ولم يعبأ بدعوة الرسول A وذهب إلى أهله مزدهيا بنفسه غير مفكر في مصيره .
قال ابن عطية : قال جمهور المتأولين هذه الآية كلها من قوله ( فلا صدق ولا صلى ) نزلت في ابن جهل بن هشام قال : ثم كادت هذه الآية تصرح به في قوله تعالى ( يتمطى ) فإنها كانت مشية بني مخزوم وكان أبو جهل يكثر منها اه . وفيه نظر سيأتي قريبا .
فقوله ( أولى لك ) وعيد وهي كلمة توعد تجري مجرى المثل في لزوم هذا اللفظ لكن تلحقه علامات الخطاب والغيبة والتكلم والمراد به ما يراد بقولهم : ويل لك من دعاء على المجرور باللام بعدها أي دعاء بأن يكون المكروه أدنى شيء منه