وقد حصل من هذا تخلص إلى إجمال حال الناس يوم القيامة بين أهل سعادة وأهل شقاوة .
فالوجوه الناضرة وجوه أهل السعادة والوجوه الباسرة وجوه أهل الشقاء وذلك بين من كلتا الجملتين .
وقد علم الناي المعني بالفريقين مما سبق نزوله من القرآن كقوله في سورة عبس ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة ) فعلم أن أصل أسباب السعادة الإيمان بالله وحده وتصديق رسوله A والإيمان بما جاء به الرسول A وأن أصل أسباب الشقاء الإشراك بالله وتكذيب الرسول A ونبذ ما جاء به . وقد تضمن صدر هذه السورة ما ينبئ بذلك كقوله ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) وقوله ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) .
وتنكير ( وجوه ) للتنويع والتقسيم كقوله تعالى ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) وقول الشاعر وهو من أبيات كتاب الآداب ولم يعزه ولا عزاه صاحب العباب في شرحه : .
فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر وقول أبي الطيب : A E .
فيوما بخيل تطرد الروم عنهم ... ويوم بجود تطرد الفقر والجدبا فالوجوه الناضرة الموصوفة بالنضرة " بفتح النون وسكون الضاد " هي حسن الوجه من أثر النعمة والفرح وفعله كنصر وكرم وفرح ولذلك يقال : ناضر ونضير ونضر وكني بنضرة الوجوه عن فرح أصحابها ونعيمهم قال تعالى في أهل السعادة ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) لأن ما يحصل في النفس من الانفعالات يظهر أثره .
وأخبر عنها خبرا ثانيا بقوله ( إلى ربها ناظرة ) وظاهر لفظ ( ناظرة ) أنه من نظر بمعنى : عاين ببصره إعلانا بتشريف تلك الوجوه انها تنظر إلى جانب الله تعالى نظرا خاصا لا يشاركها فيه من يكون دون رتبتهم فهذا معنى الآية بإجماله ثابت بظاهر القرآن وقد أيدتها الأخبار الصحيحة عن النبي A .
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة " إن أناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارن في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ؟ قلنا : لا . قال : فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارن في رؤيتهما " .
وفي رواية " فإنكم ترونه كذلك " وساق الحديث في الشفاعة .
وروى البخاري بن جرير بن عبد الله قال " كنا جلوسا عند النبي A إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته " وربما قال " سترون ربكم عيانا " .
وروى مسلم عن صهيب بن سنان عن النبي A قال " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار فيكشف الحجاب فما يعطون شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم " .
فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإجمال دلالة ضمنية لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخول رؤيتها لغير أهل السعادة .
ويلحق هذا بمتشابه الصفات وإن كان مقتضاه ليس إثبات صفة ولكنه يؤول إلى الصفة ويستلزمها بأنه آيل إلى اقتضاء جهة للذات ومقدار يحاط بجميعه أو ببعضه إذا كانت الرؤيا بصرية فلا جرم أن يعد الوعد برؤية أهل الجنة ربهم تعالى من قبيل المتشابه