واليقين : اسم مصدر يقن كفرح إذا علم علما لا شك معه ولا تردد .
وإتيانه مستعار لحصوله بعد إن لم يكن حاصلا شبه الحصول بعد الانتفاء بالمجيء بعد المغيب .
والمعنى : حتى حصل لنا العلم بأن ما كنا نكذب به ثابت فقوله ( حتى أتانا اليقين ) على هذا الوجه غاية لجملة ( نكذب بيوم الدين ) .
ويطلق اليقين أيضا على الموت لأنه معلوم حصوله لكل حي فيجوز أن يكون مرادا هنا كما في قوله تعال ( وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) . فتكون جملة ( حتى أتانا اليقين ) غاية للجمل الأربع التي قبلها من قوله ( لم نك من المصلين ) إلى ( بيوم الدين ) .
والمعنى : كنا نفعل ذلك مدة حياتنا كلها .
وفي الأفعال المضارعة في قوله " لم نك ونخوض ونكذب " إيذان بأن ذلك ديدنهم ومتجدد منهم طول حياتهم .
وفي الآية إشارة إلى أن المسلم الذي أضاع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مستحق حظا من سقر على مقدار إضاعته وعلى ما أراد الله من معادلة حسناته وسيئاته وظواهره وسرائره وقبل الشفاعة وبعدها .
وقد حرم الله هؤلاء المجرمين الكافرين أن تنفعهم الشفاعة فعسى أن تنفع الشفاعة المؤمنين على أقدارهم .
وفي قوله ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) إيماء إلى ثبوت الشفاعة لغيرهم يوم القيامة على الجملة وتفصيلها في صحاح الأخبار .
وفاء ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) تفريع على قوله ( كل نفس بما كسبت رهينة ) أي فهم دائمون في الارتهان في سقر .
( فما لهم عن التذكرة معرضين [ 49 ] كأنهم حمر مستنفرة [ 50 ] فرت من قسورة [ 51 ] ) تفريع للتعجيب من إصرارهم على الإعراض على ما فيه تذكرة على قوله ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) .
وجيء باسم التذكرة الظاهر دون أن يؤتى بضميره نحو : أن يقال : عنها معرضين لئلا يختص الإنكار والتعجيب بإعراضهم عن تذكرة الإنذار بسقر بل المقصود التعميم لإعراضهم عن كل تذكرة وأعظمها تذكرة القرآن كما هو المناسب للإعراض قال تعالى ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) .
و ( ما لهم ) استفهام مستعمل في التعجيب من غرابة حالهم بحيث تجدر أن يستفهم عنها المستفهمون وهو مجاز مرسل بعلاقة الملازمة و ( لهم ) خبر عن ( ما ) الاستفهامية . والتقدير : ما ثبت لهم و ( معرضين ) حال من ضمير ( لهم ) أي يستفهم عنهم في هذه الحالة العجيبة .
وتركيب : ما لك ونحوه لا يخلو من حال تلحق بضميره مفردة أو جملة نحو ( ما لك لا تأمنا على يوسف ) في سورة يوسف . وقوله تعالى ( فما لهم لا يؤمنون ) في سورة الانشقاق . وقوله ( ما لكم كيف تحكمون ) في سورة الصافات وسورة القلم . ( والتذكرة ) متعلق ب ( معرضين ) .
وشبهت حالة إعراضهم المتخيلة بحالة فرار حمر نافرة مما ينفرها .
والحمر : جمع حمار وهو الحمار الوحشي وهو شديد النفار إذا أحس بصوت القانص وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس .
A E وقد كثر وصف النفرة وسرعة السير والهرب بالوحش من حمر أو بقر وحش إذا أحسسن بما يرهبنه كما قال لبيد في تشبيه راحلته في سرعة سيرها بوحشية لحقها الصياد : .
فتوجست رز الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها وقد كثر ذلك في شعر العرب في الجاهلية والإسلام كما في معلقة طرفة ومعلقة لبيد ومعلقة الحارث وفي أراجيز الحجاج ورؤية ابنه وفي شعر ذي الرمة .
والسين والتاء في ( مستنفرة ) للمبالغة في الوصف مثل : استكمل واستجاب واستعجب واستسخر واستنبط أي نافرة نفارا قويا فهي تعدو بأقصى سرعة العدو .
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ( مستنفرة ) بفتح الفاء أي استنفرها مستنفر أي أنفرها فهو من استنفر المتعدي بمعنى أنفره . وبناء الفعل للنائب يفيد الإجمال ثم التفصيل بقوله ( فرت من قسورة ) .
وقرأها الجمهور بكسر الفاء أي استفرت هي مثل : استجاب فيكون جملة ( فرت من قسورة ) بيانا لسبب نفورها .
وفي تفسير الفخر عن أبي علي الفارسي قال محمد بن سلام : سألت أبا سوار الغنوي وكان أعرابيا فصيحا فقلت : كأنهم حمر ماذا فقال : مستنفرة : بفتح الفاء فقلت له : إنما هو فرت من قسورة . فقال : أفرت ؟ قلت : نعم قال : فمستنفرة إذن فكسر الفاء