ومعنى ( يتساءلون ) يجوز أن يكون على ظاهر صيغة التفاعل للدلالة على صدور الفعل من جانبين أي يسأل أصحاب اليمين بعضهم بعضا عن شأن المجرمين وتكون جملة ( ما سلككم في سقر ) بيانا لجملة ( يتساءلون ) . وضمير الخطاب في قوله ( سلككم ) يؤذن بمحذوف . والتقدير : فيسألون المجرمين ما سلككم في سقر وليس التفاتا أو يقول بعض المسؤولين لأصحابهم جوابا لسائليهم قلنا لهم : ما سلككم في سقر .
ويجوز أن تكون صيغة التفاعل مستعملة في معنى تكرير الفعل أي يكثر سؤال كل أحد منهم سؤالا متكررا أو هو من تعداد السؤال لأجل تعداد السائلين .
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى ( واتقوا الله الذي تساءلون به ) في أول سورة النساء : " هو كقولك تداعينا " . ونقل عنه أيضا أنه قال هنا " إذا كان المتكلم مفردا يقال : دعوت وإذا كان المتكلم متعددا يقال : تداعينا ونظيره رميته وترامينا . ورأيت الهلال وتراءيناه ولا يكون هذا تفاعلا من الجانبين " اه . ذكره صاحب الكشاف في سورة النساء أي هو فعل من جانب واحد ذي عدد كثير ؛ وعلى هذا يكون مفعول يتساءلون محذوفا يدل عليه قوله عن ( المجرمين ) .
والتقدير : يتساءلون المجرمين عنهم أي عن سبب حصولهم في سقر ويدل عليه بيان جملة ( يتساءلون ) بجملة ( ما سلككم في سقر ) فإن ما سلككم في بيان للتساؤل .
وأصل معنى سلكه أدخله يبن أجزاء شيء حقيقة ومنه جاء سلك العقد واستعير هنا للزج بهم وتقدم في سورة الحجر قوله تعالى ( كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ) وفي قوله ( نسلكه عذابا صعدا ) في سورة الجن . والمعنى : ما زج بكم في سقر .
فإن كان السؤال على حقيقته والاستفهام مستعملا في أصل معناه كان الباعث على السؤال : إما نسيان كانوا علموه في الدنيا من أسباب الثواب والعقاب فيبقى عموم يتساءلون الراجع إلى أصحاب اليمين وعموم المجرمين على ظاهره فكل من أصحاب اليمين يشرف على المجرمين من أعالي الجنة فيسألهم عن سبب ولوجهم النار فيحصل جوابهم وذلك إلهام من الله ليحمده أهل الجنة على ما أخذوه به من أسباب نجاتهم مما أصاب المجرمين ويفرحوا بذلك .
وإما أن يكون سؤالا موجها من بعض أصحاب اليمين إلى ناس كانوا يظنونهم من أهل الجنة فرأوهم في النار من المنافقين أو المرتدين بعد موت أصحابهم فيكون المراد بأصحاب اليمين بعضهم وبالمجرمين بعضهم وهذا مثل ما في قوله تعالى ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتونا عن اليمين ) الآيات في سورة الصافات وقوله فيها ( قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أءنك لمن المصدقين ) إلى قوله ( في سواء الجحيم ) .
وإن كان السؤال ليس على حقيقته وكان الاستفهام مستعملا في التنديم أو التوبيخ فعموم أصحاب اليمين وعموم المجرمين على حقيقته .
A E وأجاب المجرمون بذكر أسباب الزج بهم في النار لأنهم ما ظنوا إلا ظاهر الاستفهام فذكروا أربعة أسباب هي أصول الخطايا وهي : أنهم لم يكونوا من أهل الصلاة فحرموا أنفسهم من التقرب إلى الله .
وأنهم لم يكونوا من المطعمين المساكين وذلك اعتداء على ضعفاء الناس بمنعهم حقهم في المال .
وأنهم كانوا يخوضون خوض المعهود الذي لا يعدو عن تأييد الشرك وأذى الرسول A والمؤمنين .
وأنهم كذبوا بالجزاء فلم يتطلبوا ما ينجيهم . وهذا كناية عن عدم إيمانهم سلكوا بها طريق الإطناب المناسب لمقام التحسر والتلهف على ما فات فكأنهم قالوا لأنا لم نكن من المؤمنين لأن أهل الإيمان اشتهروا بأنهم أهل الصلاة وبأنهم في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم وبأنهم يؤمنون بالآخرة وبيوم الدين ويصدقون الرسل وقد جمعها قوله تعالى في سورة البقرة ( هدى للمتقين الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ) .
وأصل الخوض الدخول في الماء ويستعار كثيرا للمحادثة المتكررة وقد اشتهر إطلاقه في القرآن على الجدال واللجاج غير المحمود قال تعالى ( فذرهم في خوضهم يلعبون ) وغير ذلك وقد جمع الإطلاقين قوله تعالى ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) .
وباعتبار مجموع الأسباب الأربعة في جوابهم فضلا عن معنى الكناية لم يكن في الآية ما يدل للقائلين بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .
ويوم الدين : يوم الجزاء والجزاء