ويجوز أن تكون بدلا من جملة ( سأصليه سقر ) . والإصلاء : جعل الشيء صاليا أي مباشرا حر النار . وفعل صلي يطلق على إحساس حرارة النار فيكون لأجل التدفئ كقول الحارث بن حلزة : .
فتنورت نارها من بعيد ... بخزازى أيان منك الصلاء أي أنت بعيد من التدفئ بها وكما قال حميد بن ثور : .
لا تصطلي النار إلا مجمرا أرجا ... قد كسرت في يلنجوج له وقصا ويطلق على الاحتراق بالنار قال تعالى ( سيصلى نارا ذات لهب ) في سورة أبي لهب وقال ( فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى ) في سورة الليل وقال ( وسيصلون سعيرا ) في سورة النساء والأكثر إذا ذكر لفعل هذه المادة مفعول ثان من أسماء النار أن يكون الفعل بمعنى الإحراق كقوله تعالى ( فسوف نصليه نارا ) في سورة النساء . ومنه قوله هنا ( سأصليه سقر ) .
وسقر : علم لطبقة من جهنم عن ابن عباس : أنه الطبق السادس من جهنم . قال ابن عطية : سقر هو الدرك السادس من جهنم على ما روي اه . واقتصر عليه ابن عطية . وجرى كلام جمهور المفسرين بما يقتضي أنهم يفسرون سقر بما يرادف جهنم .
وسقر ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم بقعة من جهنم أو اسم جهنم وقد جرى ضمير سقر على التأنيث في قوله تعالى ( لا تبقي ) إلى قوله ( عليها تسعة عشر ) . وقيل سقر معرب نقله في الإتقان عن الجواليقي ولم يذكر الكلمة المعربة ولا من أية لغة هو .
و ( وما أدراك ما سقر ) جملة حالية من ( سقر ) أي سقر التي حالها لا ينبئك به منبئ وهذا تهويل لحالها .
و ( ما سقر ) في محل مبتدأ وأصله سقر ما أي ما هي فقدم ( ما ) لأنه اسم استفهام وله الصدارة .
فإن ( ما ) الأولى استفهامية . والمعنى : أي شيء يدريك أي يعلمك .
و ( ما ) الثانية استفهامية في محل رفع خبر عن ( سقر ) .
A E وجملة ( لا تبقي ) بدل اشتمال من التهويل الذي أفادته جملة ( وما أدراك ما سقر ) فإن من أهوالها أنها تهلك كل من يصلاها . والجملة خبر ثان عن سقر .
وحذف مفعول ( تبقى ) لقصد العموم أي لا تبقي منهم أحدا أو لا تبقي من أجزائهم شيئا .
وجملة ( ولا تذر ) عطف على ( لا تبقي ) فهي في معنى الحال . ومعنى ( لا تذر ) أي لا تترك من يلقى فيها أي لا تتركه غير مصلي بعذابها . وهذه كناية عن إعادة حياته بعد إهلاكه كما قال تعالى ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) .
ولواحة : خبر ثالث عن ( سقر ) . و ( لواحة ) فعالة من اللوح وهو تغيير الذات من ألم ونحوه وقال الشاعر وهو من شواهد الكشاف ولم أقف على قائله : .
تقول ما لاحك يا مسافر ... يا ابنة عمي لاحني الهواجر والبشر : يكون جمع بشرة وهي جلد الإنسان أي تغير ألوان الجلود فتجعلها سوداء ويكون اسم جمع للناس لا واحد له من لفظه .
وقوله ( عليها تسعة عشر ) خبر رابع عن ( سقر ) من قوله ( وما أدراك ما سقر ) .
ومعنى ( عليها ) على حراستها ف ( على ) للاستعلاء المجازي بتشبيه التصرف والولاية بالاستعلاء كما يقال : فلان على الشرطة أو على بيت المال أي يلي ذلك والمعنى : أن خزنة سقر تسعة عشر ملكا .
وقال جمع : إن عدد تسعة عشر : هم نقباء الملائكة الموكلين بجهنم .
وقيل : تسعة عشر صنفا من الملائكة وقيل تسعة عشر صفا . وفي تفسير الفخر : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوها : أحدها قول أهل الحكمة إن سبب فساد النفس هو القوى الحيوانية والطبيعية أما الحيوانية فهي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب فمجموعها اثنتا عشرة . وأما القوى الطبيعية فهي : المجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فهذه سبعة فتلك تسعة عشرة . فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسع عشرة كان عدد الزبانية كذلك اه