وقتل : دعاء عليه بأن يقتله قاتل أي دعاء عليه بتعجيل موته لأن حياته حياة سيئة . وهذا الدعاء مستعمل في التعجيب من ماله والرثاء له كقوله ( قاتلهم الله ) وقولهم : عدمتك وثكلته أمه وقد يستعمل مثله في التعجيب من حسن الحال يقال : قاتله الله ما أشجعه . وجعله الزمخشري كناية عن كونه بلغ مبلغا يحسده عليه المتكلم حتى يتمنى له الموت . وأنا أحسب أن معنى الحسد غير ملحوظ وإنما ذلك مجرد اقتصار على ما في تلك الكلمة من التعجب أو التعجيب لأنها صارت في ذلك كالأمثال . والمقام هنا متعين للكناية عن سوء حاله لأن ما قدره ليس مما يغتبط ذوو الألباب على إصابته إذ هو قد ناقض قوله ابتداء إذ قال : ما هو بعقد السحرة ولا نفثهم وبعد أن فكر قال ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) فناقض نفسه .
وقوله ( ثم قتل كيف قدر ) تكيد لنظيره المفرع بالفاء . والعطف ب ( ثم ) يفيد أن جملتها أرقى رتبة من التي قبلها في الغرض المسوق له الكلام . فإذا كان المعطوف بها عين المعطوف عليه أفادت أن معنى المعطوف عليه ذو درجات متفاوتة مع أن التأكيد يكسب الكلام قوة . وهذا كقوله ( كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ) .
و ( كيف قدر ) في الموضعين متحد المعنى وهو اسم استفهام دال على الحالة التي يبينها متعلق ( كيف ) .
والاستفهام موجه إلى سامع غير معين يستفهم المتكلم سامعه استفهاما عن حالت تقديره وهو استفهام مستعمل في التعجيب المشوب بالإنكار على وجه المجاز المرسل .
و ( كيف ) في محل نصب على الحال مقدمة على صاحبها لأن لها الصدر وعاملها ( قدر ) .
A E وقوله ( ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر ) عطف على ( وقدر ) وهي ارتقاء متوال فيما اقتضى التعجيب من حاله والإنكار عليه . فالتراخي تراخي رتبة لا تراخي زمن لأن نظره وعبوسه وبسره وإدباره واستكباره مقارنة لتفكيره وتقديره .
والنظر هنا : نظر العين ليكون زائدا على ما أفاده ( فكر وقدر ) . والمعنى : نظر في وجوه الحاضرين يستخرج آرائهم في انتحال ما يصفون به القرآن .
وعبس : قطب وجهه لما استعصى عليه ما يصف به القرآن ولم يجد مغمزا مقبولا .
وبسر : معناه كلح وجهه وتغير لونه خوفا وكمدا حين لم يجد ما يشفي غليله من مطعن في القرآن لا ترده العقول قال تعالى ( ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ) في سورة القيامة .
والإدبار : هنا يجوز أن يكون مستعارا لتغيير التفكير الذي كان يفكره ويقدره يائسا من أن يجد ما فكر في انتحاله فانصرف إلى الاستكبار والأنفة من أن يشهد للقرآن بما فيه من كمال اللفظ والمعنى .
ويجوز أن يكون مستعارا لزيادة إعراضه عن تصديق النبي A كقوله تعالى ( ثم أدبر يسهى ) حكاية عن فرعون في سورة النازعات .
وصفت أشكاله التي تشكل بها لما أجهد نفسه لاستنباط ما يصف به القرآن وذلك تهكم بالوليد .
وصيغة الحصر في قوله ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) مشعرة بأن استقراء أحوال القرآن بعد السبر والتقسيم أنتج له أنه من قبيل السحر فهو قصر تعيين لأحد الأقوال التي جالت في نفسه لأنه قال : ما هو بكلام شاعر ولا بكلام كاهن ولا بكلام مجنون كما تقدم في خبره .
ووصف هذا السحر بأنه مأثور أي مروي عن الأقدمين يقول هذا ليدفع به اعتراضا يرد عليه أن أقوال السحرة وأعمالهم ليست مماثلة للقرآن ولا لأحوال الرسول فزعم أنه أقوال سحرية غير مألوفة .
وجملة ( إن هذا إلا قول البشر ) بدل اشتمال من جملة ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) بأن السحر يكون أقوالا وأفعالا فهذا من السحر القولي . وهذه الجملة بمنزلة النتيجة لما تقدم لأن مقصوده من ذلك كله أن القرآن ليس وحيا من الله .
وعطف قوله ( فقال ) بالفاء لأن هذه المقالة لما خطرت بباله بعد اكتداد فكره لم يتمالك أن نطق بها فكان نطقه بها حقيقا بأن يعطف بحرف التعقيب .
( سأصليه سقر [ 26 ] وما أدريك ما سقر [ 27 ] لا تبقي ولا تذر [ 28 ] لواحة للبشر [ 29 ] عليها تسعة عشر [ 30 ] ) جملة ( سأصليه سقر ) مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله ( إنه فكر وقدر ) إلى آخر الآيات فذكر وعيده بعذاب الآخرة