( سأرهقه صعودا [ 17 ] إنه فكر وقدر [ 18 ] فقتل كيف قدر [ 19 ] ثم قتل كيف قدر [ 20 ] ثم نظر [ 21 ] ثم عبس وبسر [ 22 ] ثم أدبر واستكبر [ 23 ] فقال إن هذا إلا سحر يؤثر [ 24 ] إن هذا إلا قول البشر [ 25 ] ) جملة ( سأرهقه صعودا ) معترضة بين ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) وبين ( إنه فكر وقدر ) قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مساءة له وتعجيل المسرة للنبي A .
وجملة ( إنه فكر وقدر ) مبينة لجملة ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) فهي تكملة وتبيين لها .
والإرهاق : الإتعاب وتحميل ما لا يطاق وفعله رهق كفرح قال تعالى ( ولا ترهقني من أمري عسرا ) في سورة الكهف .
والصعود : العقبة الشديدة التصعد الشاقة على الماشي وهي فعول مبالغة من صعد فإن العقبة صعدة فإذا كانت عقبة أشد تصعدا من العقبات المعتادة قيل لها : صعود .
وكأن أصل هذا الوصف أن العقبة وصفت بأنها صاعدة على طريقة المجاز العقلي ثم جعل ذلك الوصف اسم جنس لها .
وقوله ( سأرهقه صعودا ) تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله ( ومهدت له تمهيدا ) أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة وكل ذلك إرهاق له .
قيل : إنه طال به النزع فكانت تتصاعد نفسه ثم لا يموت وقد جعل له من عذاب النار ما أسفر عنه عذاب الدنيا .
A E وقد وزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذكر عناده وهو من مقاصده السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي A وذلك من الأغراض الدنيوية عقب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء . ولما ذكر طعنه في القرآن بقوله ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) وأنكر أنه وحي من الله بقوله ( إن هذا إلا قول البشر ) أردف بذكر عذاب الآخرة بقوله ( سأصليه سقر ) .
وعن النبي A " أن صعودا جبل في جهنم يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا " . رواه الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري . وقال الترمذي : هو حديث غريب . فجعل الله صفة صعود علما على ذلك الجبل في جهنم . وهذا تفسير بأعظم ما دل عليه قوله تعالى ( سأرهقه صعودا ) .
وجملة ( إنه فكر وقدر ) إلى آخرها بدل من جملة ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) بدل اشتمال .
وقد وصف حاله في تردده وتأمله بأبلغ وصف . فابتدئ بذكر تفكيره في الرأي الذي سيصدر عنه وتقديره .
ومعنى ( فكر ) أعمل فكره وكرر نظر رأيه ليبتكر عذرا يموهه ويروجه على الدهماء في وصف القرآن بوصف كلام الناس ليزيل منهم اعتقاد أنه وحي أو حي به إلى النبي A .
و ( قدر ) جعل قدرا لما يخطر بخاطره أن يصف به القرآن ليعرضه على ما يناسب ما ينحله القرآن من أنواع كلام البشر أو ما يسم به النبي A من الناس المخالفة أحوالهم للأحوال المعتادة في الناس مثال ذلك أن يقول في نفسه نقول : محمد مجنون ثم يقول : المجنون يخنق ويتخالج ويوسوس وليس محمد كذلك ثم يقول في نفسه : هو شاعر فيقول في نفسه : لقد عرفت الشعر وسمعت كلام الشعراء ثم يقول في نفسه : كاهن فيقول في نفسه : ما كلامه بزمزمة كاهن ولا بسجعه ثم يقول في نفسه : نقول هو ساحر فإن السحر يفرق بين المرء وذويه ومحمد يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فقال للناس : نقول إنه ساحر . فهذا معنى ( قدر ) .
وقوله ( فقتل كيف قدر ) كلام معترض بين ( فكر ) و ( قدر ) وبين ( ثم نظر ) وهو إنشاء شتم مفرع على الإخبار عنه بأنه فكر وقدر لأن الذي ذكر يوجب الغضب عليه .
فالفاء لتفريع ذمه عن سيئ فعله ومثله في الاعتراض قوله تعالى ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر ) .
والتفريع لا ينافي الاعتراض لأن الاعتراض وضع الكلام بين كلامين متصلين مع قطع النظر عما تألف منه الكلام المعترض فإن ذلك يجري على ما يتطلبه معناه . والداعي إلى الاعتراض هو التعجيل بفائدة الكلام للاهتمام بها . ومن زعموا : أن الاعتراض لا يكون بالفاء فقد توهموا