والممدود : اسم مفعول من مد الذي بمعنى : أطال بأن شبهت كثرة المال بسعة مساحة الجسم أو من مد الذي بمعنى : زاد في الشيء من مثله كما يقال : مد الوادي النهر أي مالا مزيدا في مقداره ما يكتسبه صاحبه من المكاسب . وكان الوليد من أوسع قريش ثراء . وعن ابن عباس : كان مال الوليد بين مكة والطائف من الإبل والغنم والعبيد والجواري والجنان وكانت غلة ماله ألف دينار " أي في السنة " .
وامتن الله عليه بنعمة البنين ووصفهم بشهود جمع شاهد أي حاضر أي لا يفارقونه بل مستأنس بهم لا يشتغل باله بمغيبهم وخوف معاطب السفر عليهم فكانوا بغنى عن طلب الرزق بتجارة أو غارة وكانوا يشهدون معه المحافل فكانوا فخرا له قيل : كان له عشرة بنين وقيل ثلاثة عشر ابنا والمذكور منهم سبعة وهم : الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاصي وقيس أو أبو قيس وعبد شمس " وبه يكنى " . ولم يذكر ابن حزم في جمهرة الأنساب : العاصي واقتصر على ستة .
والتمهيد : مصدر مهد بتشديد الهاء الدال على قوة المهد . والمهد : تسوية الأرض وإزالة ما يقض جنب المضطجع عليها ومهد الصبي تسمية بالمصدر .
والتمهيد هنا مستعار لتيسير أموره ونفاذ كلمته في قومه بحيث لا يعسر عليه مطلب ولا يستعصي عليه أمر .
وأكد ( مهدت ) بمصدره على المفعولية المطلقة ليتوسل بتنكيره لإفادة تعظيم ذلك التمهيد وليس يطرد أن يكون التأكيد لرفع احتمال المجاز .
A E ووصف في هذه الآية بما له من النعمة والسعة لأن الآية في سياق الامتنان عليه توطئة لتوبيخه وتهديده بسوء في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة . فأما في آية سورة القلم فقد وصفه بما فيه من النقائص في قوله تعالى ( ولا تطع كل حلاف مهين ) الخ بناء على قول من قال : إن المراد به الوليد بن المغيرة " وقد علمت أنها احتمال " لأن تلك الآية في مقام التحذير من شره وغدره .
و ( ثم ) في قوله ( ثم يطمع ) للتراخي الرتبي أي وأعظم من ذلك أنه يطمع في الزيادة من تلك النعم وذلك بما يعرف من يسر أموره . وهذا مشعر باستبعاد حصول المطموع فيه وقد صرح به بقوله ( كلا ) .
والطمع : طلب الشيء العظيم وجعل متعلق طمعه زيادة مما جعل الله له لأنهم لم يكونوا يسندون الرزق إلى الأصنام أو لأنه طمع في زيادة النعمة غير متذكر أمها من عند الله فيكون إسناد الزيادة إلى ضمير الجلالة إدماجا بتذكيره بأن ما طمع فيه هو من عند الذي كفر هو بنعمته فأشرك به غيره في العبادة .
ولهذه النكتة عدل عن أن يقال : يطمع في الزيادة أو يطمع أن يزاد .
و ( كلا ) ردع وإبطال لطمعه في الزيادة من النعم وقطع لرجائه .
والمقصود إبلاغ هذا إليه مع تطمين النبي A بأن الوليد سيقطع عنه مدد الرزق لئلا تكون نعمته فتنة لغيره من المعاندين فيغريهم حاله بأن عنادهم لا يضرهم لأنهم لا يحسبون حياة بعد هذه كما حكى الله من قول موسى عليه السلام ( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا أطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) .
وفي هذا الإبطال والردع إيذان بأن كفران النعمة سبب لقطعها قال تعالى ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) . ولهذا قال الشيخ ابن عطاء الله " من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها " .
( إنه كان لآياتنا عنيدا [ 16 ] ) يجوز أن تكون هذه الجملة تعليلا للردع والإبطال أي لأن شدة معاندته لآياتنا كانت كفرانا للنعمة فكانت سببا لقطعها عنه إذ قد تجاوز حد الكفر إلى المناواة والمعاندة فإن الكافر يكون منعما عليه على المختار وهو قول الماتريدي والمعتزلة خلافا للأشعري واختار المحققون أنه خلاف لفظي .
ويجوز أن تكون مستأنفة ويكون الوقف عند قوله تعالى ( كلا ) .
والعنيد : الشديد العناد وهو المخالفة للصواب وهو فعيل من : عند يعند كضرب إذا نازع وجادل الحق البين .
وعناده : هو محاولته الطعن في القرآن ومحاولته للتمويه بأنه سحر أو شعر أو كلام كهانة مع تحققه بأنه ليس في شيء من ذلك كما أعلن به لقريش قبل أن يلومه أبو جهل ثم أخذه بأحد تلك الثلاثة وهو أن يقول : هو سحر تشبثا بأن فيه خصائص الشعر من التفريق بين المرء ومن هو شديد الصلة